عاجل

ما حكم إلقاء السلام على الذاكر والداعي ؟.. دار الإفتاء توضح

القران
القران

لا يلزم إلقاءُ السلام على الذاكر والداعي؛ فترك إلقاء السلام في هذه الحالة أولى؛ لانشغاله بالذكر والدعاء، ولكن متى أُلْقِي عليه السلام لزمه الرد؛ خروجًا من الخلاف؛ إذ إن “الْخُرُوجَ مِن الخِلَافِ مُسْتَحَبٌّ”.

فضل إفشاء السلام


من المقرر شرعًا أنَّ إلقاء السلام من جملة المستحبات، فقد حثَّ الشرع الشريف على إفشاء السلام، وجعله بابًا مِن أبواب المحبة والمودة؛ قال تعالى: ﴿فَسَلِّمُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ تَحِيَّةً مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُبَارَكَةً طَيِّبَةً﴾ [النور: 61]، وشرع له سننًا وآدابًا ينبغي على المسلم أن يتحلَّى بها، غير أنَّ إلقاءَ السلام يتأكد في بعض الأحوال، وينهى عنه في البعض الآخر.

حكم إلقاء السلام على الذاكر والداعي وحكم رده وأقوال الفقهاء في ذلك


اختلف الفقهاء في حكم إلقاء السلام على مَن كان مشتغلًا بالذكر والدعاء، ورده على مَن سلَّم عليه.
فذهب الحنفية والحنابلة إلى كراهة إلقاء السلام على المشتغل بالذكر والدعاء؛ للمشقة التي تلحقه في الرد، وقطعه عن الاستغراق فيهما، بل ونصّوا على أنه لو سلَّم عليه أحد: لا يلزمه الرد على هذا الحال؛ لأنَّ السلام ورد في غير مَحَلٍّ، و”كُلُّ مَحَلٍّ لَا يُشْرَعُ فِيهِ السَّلَامُ لَا يَجِبُ رَدُّهُ”؛ كما في “رد المحتار” للعلَّامة ابن عابدين الحنفي .
قال بدر الدين العيني الحنفي في “البناية” : [ويكره السلام على المصلي والقارئ والذاكر والجالس للقضاء] .
وأورد سراج الدين ابن نُجَيْم الحنفي في “النهر الفائق” (1/ 271، ط. دار الكتب العلمية) نَظْمَ صَدْرِ الدين الغَزِّي الذي جَمَعَ فيه المواضعَ التي يُكرَه فيها السلامُ على الغير، حيث قال:
[سَلَامُكَ مَكْرُوهٌ عَلَى مَنْ سَتَسْمَعُ *** ومِنْ بَعْدِ مَا أُبْدِي يُسَــــنُّ ويُشْـرَعُ
مُصَلٍّ، وَتَالٍ، ذَاكِـرٍ، وَمُحَــدِّثٍ *** خَطِيبٍ، وَمَنْ يُصْغِي إِلَيْهِمْ ويَسْمَــعُ] .
وقال العلَّامة ابن عابدين الحنفي في “رد المحتار” : [وفي “شرح الشرعة”: صرَّح الفقهاء بعدم وجوب الرد في بعض المواضع: القاضي إذا سلَّم عليه الخصمان، والأستاذ الفقيه إذا سلَّم عليه تلميذه أو غيره أوان الدرس، وسلام السائل، والمشتغل بقراءة القرآن، والدعاء حال شغله، والجالسين في المسجد لتسبيح أو قراءة أو ذكر حال التذكير] .
وقال الشيخ البُهوتي الحنبلي في “كشاف القناع” : [(و) يكره السلام (على تالٍ) للقرآن، وعلى (ذاكرٍ) لله تعالى، وعلى (مُلَبٍّ ومُحَدِّثٍ) أي: مُلْقٍ لحديث النبي صلى الله عليه وآله وسلم، (وخطيب وواعظ، وعلى مَن يستمع لهم) أي: للمذكورين مِن التالي ومَن بعده.. (ومَن سلَّم في حالة لا يستحب فيها السلام) كالأحوال السابقة (لم يستحق جوابًا) لسلامه] .

وذهب المالكية في المشهور عندهم، وأكثر الشافعية إلى جواز إلقاء السلام على الذاكر والداعي من غير كراهة، وأنه متى سلَّم عليهما أحد وجب عليهما رد السلام، بل وجعل الشافعية إلقاء السلام على الذاكر والداعي كغيرهما في الاستحباب.
قال شهاب الدين النفراوي المالكي في “الفواكه الدواني” : [(والابتداء به سنة) على الكفاية على المشهور.. وتلك السُّنَّة لِكُلِّ مَن لقيته عرفته أو لم تعرفه، ولو كان امرأة أو صبيًّا أو قارئًا أو آكلًا أو شاربًا أو مشتغلًا بذكر أو دعاء] .
وقال الإمام النووي الشافعي في “الأذكار” : [أما إذا كان مشتغلًا بالدعاء، مستغرقًا فيه، مجتمع القلب عليه، فيحتمل أن يقال هو كالمشتغل بالقراءة، والأظهر عندي في هذا أنه يكره السلام عليه؛ لأنه يتنكد به ويشق عليه أكثر من مشقة الأكل] .
وقال شيخ الإسلام زكريا الأنصاري الشافعي في “أسنى المطالب” : [(والقارئ كغيره) في استحباب السلام عليه ووجوب الرد باللفظ على مَن سلَّم عليه، وهذا ما بحثه في “الروضة” بعد نقله عن الواحدي: أن الأولى ترك السلام عليه، وأنه إن سلم عليه كفاه الرد بالإشارة، وما نقله عنه ضعفه في “التبيان” وغيره، قال في “الأذكار”: أما إذا كان مشتغلًا بالدعاء، مستغرقًا فيه، مجتمع القلب عليه، فيحتمل أن يقال: هو كالمشتغل بالقراءة، والأظهر عندي في هذا أنه يكره السلام عليه؛ لأنه يتنكد به ويشق عليه أكثر من مشقة الأكل] اهـ.
قال الإمام شهاب الدين الرملي مُحَشِّيًا عليه: [(قوله: وهذا ما بحثه في “الروضة”) وجزم به في “المجموع” في باب ما يوجب الغسل، وبه أجاب الحنَّاطي في “فتاويه” (قوله: والأظهر عندي في هذا أنه يكره) أشار إلى تصحيحه (قوله: فهو كالداعي بل أولى) أشار إلى تصحيحه (قوله: لا سيما المستغرق في التدبر) وكذا المستغرق في الذكر ونحوه] .

المختار للفتوى في هذه المسألة


الذي نختاره للفتوى: ترك ابتداء الذاكر والداعي بالسلام على جهة الأولى؛ لانشغالهما بالذكر والدعاء، وقد تقرَّر في قواعد الفقه أن “الْمَشْغُولَ لَا يُشْغَلُ”؛ كما في “الأشباه والنظائر” للحافظ السيوطي (ص: 151، ط. دار الكتب العلمية)، لكن متى ابتدأهما أحدٌ بالسلام لزمهما الرد؛ خروجًا من خلاف العلماء؛ إذ إن “الْخُرُوجَ مِن الخِلَافِ مُسْتَحَبٌّ”؛ كما في “الأشباه والنظائر” للحافظ السيوطي (ص: 136).

تم نسخ الرابط