ما أفضل وقت لأداء قيام الليل .. وهل يحتسب بركعتين؟
أكدت دار الإفتاء أن وقت قيام الليل هو الثلث الأخير من الليل وقبل صلاة الوتر، وذلك لما رُوي عن عمرو بن عبسة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: «أَقْرَبُ مَا يَكُونُ الرَّبُّ مِنَ الْعَبْدِ جَوْفَ اللَّيْلِ الْآخِرِ، فَإِنِ اسْتَطَعْتَ أَنْ تَكُونَ مِمَّنْ يَذْكُرُ اللهَ فِي تِلْكَ السَّاعَةِ فَكُنْ» رواه الحاكم والنسائي والترمذي وابن خزيمة، وقال: حسن صحيح. وأفضلها عشر ركعات غير الوتر أو اثنتا عشرة ركعة غير الوتر.
بيان تحديد وقت الليل بداية ونهاية ودليل ذلك
اتفق الفقهاء على أنَّ أول الليل يبدأ مع غروب الشمس، واختلفوا في تحديد آخره: هل ينتهي بطلوع الفجر، أو بطلوع الشمس؟
والراجح مِن أقوال الفقهاء: أنه ينتهي بطلوع الفجر الصادق المعترض في الأفق؛ لقول الله تعالى: ﴿وَأَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ﴾ [هود: 114]، فالمقصود بقوله تعالى: ﴿طَرَفَيِ النَّهَارِ﴾ أي: صلاة المغرب وصلاة الفجر؛ كما نقل الإمام الطبري في "جامع البيان" (12/ 603، ط. هجر) بسنده عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما، ثم رجَّح ذلك بقوله (12/ 605): [وأَوْلَى هذه الأقوال في ذلك عندي بالصواب قولُ مَن قال: هي صلاة المغرب، كما ذكرنا عن ابن عباس رضي الله عنهما.
وإنما قُلنا هو أَوْلَى بالصواب؛ لإجماع الجميع على أنَّ صلاةَ أحدِ الطرفين مِن ذلك صلاةُ الفجر، وهي تُصلَّى قبل طلوع الشمس، فالواجب إذ كان ذلك مِن جميعهم إجماعًا أن تكون صلاةُ الطرف الآخَر المغربَ؛ لأنها تُصلَّى بعد غروب الشمس] اهـ.
فإذا كانت صلاتَا المغرب والفجر طَرَفَي النَّهار، دلَّ ذلك على أنَّ ما بينهما هو وقت الليل، ويؤيد ذلك قول الله تعالى في محكم التنزيل: ﴿وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ﴾ [البقرة: 187]، وقوله تعالى: ﴿سَلَامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ﴾ [القدر: 5].
ووجه ذلك: أن "حتى" تفيد انتهاء الغاية، فدلَّ على أنَّ ليالي شهر رمضان المبارك التي يُباح فيها الأكل والشرب تنتهي بطلوع الفجر، وكذا ليلة القدر، ولا وَجْهَ لتخصيص انتهاء هذه الليالي بطلوع الفجر دون غيرها؛ "لأن الليالي كلها تكون بهذه الصفة"؛ كما في "غرائب التفسير وعجائب التأويل" لبرهان الدين الكرماني (2/ 1367، ط. دار القبلة).
قال فخر الدين الرازي في "مفاتيح الغيب" (5/ 257، ط. دار إحياء التراث العربي): [قولنا: "مِن أول طلوع الفجر الصادق"، والدليل عليه قوله تعالى: ﴿وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ﴾، وكلمة ﴿حَتَّى﴾ لانتهاء الغاية، وكان الأعمش يقول: أوَّل وقته إذا طَلَعَت الشمسُ، وكان يُبيحُ الأكلَ والشربَ بعد طلوع الفجر وقبل طلوع الشمس، ويَحتجُّ بأن انتهاء اليوم مِن وقت غروب الشمس، فكذا ابتداؤه يجب أن يكون مِن عند طلوعها، وهذا باطلٌ بالنصِّ الذي ذكرناه] اهـ.
وهو ما نصَّ عليه جمهور أهل اللغة والتفسير.
قال العلامة أبو العباس الفيومي في "المصباح المنير" (2/ 561، ط. المكتبة العلمية): [الليلة مِن غروب الشمس إلى طلوع الفجر] اهـ.
وقال شمس الدين الخطيب الشِّرْبِينِيُّ في "السراج المنير" (4/ 413، ط. الأميرية): [والليل مدةٌ مِن غروب الشمس إلى طلوع الفجر] اهـ.
وهو مذهب جمهور الفقهاء مِن الحنفية، والمالكية، والشافعية. يُنظر: "البناية" لبدر الدين العَيْنِيِّ الحنفي (4/ 260، ط. دار الكتب العلمية)، و"الكافي" للإمام ابن عبد البَرِّ المالكي (1/ 405، ط. مكتبة الرياض الحديثة)، و"المجموع" للإمام النووي الشافعي (16/ 430، ط. دار الفكر)، و"حاشية العلامة العَطَّار الشافعي على شرح المَحَلِّي على جمع الجوامع" (1/ 316، ط. دار الكتب العلمية)، بل نَقَل العلامةُ ابنُ القَطَّان في "الإقناع في مسائل الإجماع" (1/ 231، ط. الفاروق الحديثة) اتفاقَ العلماء على هذا التحديد. وممَّا سبق يُعلَم الجواب عما جاء بالسؤال.



