مساجد تاريخية|جامع عمرو بن العاص.. تاج الجوامع وأول منارة للإسلام في مصر
يعد جامع عمرو بن العاص من أقدم الجوامع في القاهرة التاريخية، وأول مسجد أُقيم في مصر وإفريقيا بعد الفتح الإسلامي,أنشأه القائد الصاحبي عمرو بن العاص في مدينة الفسطاط التي أسسها المسلمون لتكون أول عاصمة إسلامية في البلاد.
بلغت مساحة المسجد عند إنشائه نحو 50 ذراعًا في 30 ذراعًا، وكان يضم ستة أبواب,وظل على هيئته الأولى حتى عام 53هـ / 672م حين وسّعه والي مصر من قبل الخليفة معاوية بن أبي سفيان، مسلمة بن مخلد الأنصاري، فأضاف إليه أربع مآذن وزاد من مساحته. وتوالت بعد ذلك أعمال الترميم والتوسعة في العصور الإسلامية المختلفة، حتى بلغت مساحته الحالية نحو 120 × 110 مترًا، أي ما يعادل 24 ألف ذراع معماري تقريبًا.
إعادة بناء المسجد بأمر صلاح الدين الأيوبي
خلال الحملة الصليبية على بلاد المسلمين عام 564هـ، أمر الوزير شاور بإحراق مدينة الفسطاط خشية وقوعها في أيدي الصليبيين، فاحترقت المدينة وتعرض الجامع للتخريب والدمار,وبعد أن ضم صلاح الدين الأيوبي مصر إلى دولته، أصدر أوامره بإعادة بناء المسجد عام 568هـ، وشمل الإعمار إنشاء محراب كبير كُسي بالرخام ونقش عليه اسم صلاح الدين.
كان التخطيط المعماري الأصلي للجامع بسيطا؛ إذ تألف من مساحة مستطيلة طولها نحو 45 مترًا وعرضها نحو 27 مترًا، تحيط بها طرق من الجهات الأربع. ولم يكن المسجد يضم صحنًا أو مئذنة أو محرابًا مجوفًا، بينما شُيّد من الطوب اللبن وخلا من الزخارف,ويرجح أن ارتفاعه الداخلي بلغ نحو ثلاثة أمتار، على غرار المسجد النبوي الشريف.
ومع مرور العصو أجريت على الجامع زيادات وإصلاحات متعددة تعكس تطور العمارة الإسلامية في مصر حتى يومنا هذا.
لم يقتصر دور جامع عمرو بن العاص على العبادة، بل كان مركزًا للعلم والدعوة الإسلامية؛ فقد خطب فيه وألقى الدروس عدد من كبار العلماء والأئمة، منهم الإمام الشافعي، والليث بن سعد، وأبو طاهر السلفي، والعز بن عبد السلام، وابن هشام صاحب السيرة النبوية، وفي العصر الحديث الشيخ محمد الغزالي والدكتور عبد الصبور شاهين.
بهذا التاريخ الممتد لأكثر من أربعة عشر قرنًا، يظل جامع عمرو بن العاص تاج الجوامع الإسلامية، وشاهدًا خالدًا على نشأة أول عاصمة إسلامية في مصر، ورمزًا لتراثها الديني والعلمي والحضاري.




