ما حكم ربط المبيضين للمرأة لعدم الإنجاب ؟ ..الإفتاء توضح الضوابط
ما حكم ربط المبيضين لامرأة ممنوعة من الحمل بأمر الطبيب، وقد تناولت أدوية كثيرة لمنع الحمل ولكنها تؤثر على صحتها؟ وفي هذا السياق أكدت دار الإفتاء :إذا قرر الطبيب الثقة ضرورة منع الحمل لهذه المرأة؛ خوفًا على حياتها أو صحتها أو دفعًا للضرر عنها، مع كونها لا يصلح معها أي وسيلة لمنع الحمل إلا عملية ربط المبيضين، فيجوز حينئذٍ عمل هذه العملية.
ما حكم ربط المبيضين للمرأة لعدم الإنجاب ؟
يحرم التعقيم للذكر أو الأنثى إذا كان يترتب عليه عدم الصلاحية للإنجاب مستقبلًا، سواءٌ أكان التعقيمُ القاطعُ للإنجاب بدواءٍ أم بجراحةٍ، إلا إذا كان الشخص الذي يُجرى له التعقيم مصابًا بمرضٍ ينتقل بالوراثة أو بالعدوى؛ لأن هذا يجعل ذريته مريضةً لا يُستفاد بها، بل تكون ثقلًا على المجتمع، سيما بعد تقدم العلم وثبوت انتقال بعض الأمراض بالوراثة، فمتى تأكد ذلك جاز التعقيم، بل وقد يجب دفعًا للضرر؛ لأن “درء المفاسد مقدمٌ على جلب المصالح” في قواعد الشريعة الإسلامية؛ كما لو كان في الحمل تهديد لحياة الأم. ومرجعية ذلك كله لأهل الاختصاص الثقات.
أما وقف الصلاحية للإنجاب نهائيًا دون ضرورةٍ فإن ذلك يتنافى مع دعوة الإسلام ومقاصده في المحافظة على إنسال الإنسان أي بقاء حياته واستمرار نوعه التي هي إحدى الضرورات الخمس التي جعلها الإسلام أم مقاصده في تشريع أحكامه: الحياة والعقل والدين والمال والعرض.
ما حكم الدم النازل بعد الإجهاض؟
أشارت دار الإفتاء إن أن بداية تخلُّق الجنين في رحم أمه تكون بتمام ثمانيةٍ وعشرين يومًا، وتُحسَب هذه الأيام مِن أول يومٍ في آخِر حيضةٍ نزلت عليها قبل حصول الحمل، والدَّم النازل بعد سقوط الحمل الذي هذا وصفُه هو دم نفاس، ومن ثم فإن الدم النازل على المرأة المذكورة بعد الإجهاض في الشهر الثاني من ثبوت حملها في جنينٍ طبيًّا يُعَدُّ دمَ نفاسٍ شرعًا، وتجري عليه أحكامه.
المقصود بالإجهاض وبيان أنواع الدم الخارج من رحم المرأة
الإجهاض: هو خُرُوجُ الجنين أو إسقاطُه مِن الرَّحِم ميتًا قبل تمامه، أو بعد تمامه، نُفِخَت فيه الروحُ أم لا على السواء، في أيِّ مرحلةٍ مِن مراحل تكوينه، كما في لسان العرب للعلامة جمال الدين ابن مَنْظُور، والحاوي الكبير للإمام المَاوَرْدِي، والجنينُ أَعَمُّ مِن السِّقْط، كما في فتح القدير للإمام كمال الدين ابن الهُمَام.
وللحمل مراحل يمر بها الجنين ويتغير ويتقلب في أطوار الخَلْق والتكوين في رحمِ أُمِّهِ قبل أن تُنفَخَ فيه الرُّوحُ، يدل عليها حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «إِنَّ أَحَدَكُمْ يُجْمَعُ خَلْقُهُ فِي بَطْنِ أُمِّهِ أَرْبَعِينَ يَوْمًا، ثُمَّ يَكُونُ فِي ذَلِكَ عَلَقَةً مِثْلَ ذَلِكَ، ثُمَّ يَكُونُ فِي ذَلِكَ مُضْغَةً مِثْلَ ذَلِكَ، ثُمَّ يُرْسَلُ الْمَلَكُ فَيَنْفُخُ فِيهِ الرُّوحَ» متفق عليه.
والدم الخارج مِن رحم المرأة لا يخلو أن يكون حيضًا، أو نفاسًا، أو استحاضة.
ودم النفاس هو الدم المتعلق بوضع الحمل من هذه الدماء؛ إذ “النِّفَاسُ سَبَبُهُ الوِلَادَةُ”، كما في شرح مختصر خليل للإمام أبي عبد الله الخَرَشِي.
حكم الدم النازل بعد الإجهاض
قد اتفق الفقهاء على أنَّه إذا سقط الجنين بعد مرور مائةٍ وعشرين يومًا من الحمل وهي المدة التي تُنفخ لتمامها الروح، فإن الدم النازل بعده هو دم نفاس؛ لأنه بعد نفخ الروح فيه قد أصبح إنسانًا قد نفخت فيه الروح، كما في حديث ابن مسعود رضي الله عنه السابق ذكره.
وأمَّا إذا سقط الحمل لأقلَّ مِن مائةٍ وعشرين يومًا: فالمعوَّل عليه عند الفقهاء في هذه الحالة هو تبيُّن أنَّ هذا السقط كان حملًا بجنينٍ فعلًا حتى يُحكم بأن النازل بعده هو دم نفاس، وقد سلكوا في سبيل ذلك مَسَالِكَ عدةً، الغايةُ منها هي التيقُّن مِن أنَّ الخارج مِن الرحم جنينٌ قابلٌ للتخلق فيكون الدمُ النازلُ بَعدَه دمَ نفاسٍ ويأخذ أحكامه، وليس مجرد دم جامد أو غير ذلك مما يمكن أن يشتبه على النساء فيكون الدم حيضًا أو استحاضةً على ما فَصَّلُوهُ مِن أقوالٍ للتمييز بين الحيض والاستحاضة.
فالحنفية والحنابلة اشترطوا للحكم بأن الدم نفاسٌ أن تستبين خِلْقةُ الجنين السقط أو بعضُها حتى يُتيقَّن أنَّ الخارج مِن رحم المرأة وَلَدٌ أو بداية خَلْق الولد ولو خَفِيَ ذلك بحيث لا يعرفه إلا ذوو الخبرة وأهل التخصص، وذلك باعتبار أن استبانة الخِلْقة علامة على وجود الحمل بجنين فعلًا فيكون إلقاؤه ولادةً، لا بمجرد دم لا يتخلق منه إنسانٌ فلا يكون حملًا أصلًا ولا يكون إلقاؤه ولادةً.
بينما اكتفى المالكيةُ والشافعيةُ بأن يكون السقطُ مُبْتَدَأَ خَلْقِ ولدٍ حتى يكون مِن نحو الولادةِ فيُحكم بأنَّ الدمَ النازل بعده نفاسٌ، إلا أنهم اختلفوا فيما يُعد مبتدأ خَلْقِ ولدٍ وما لا يُعد كذلك من مراحل الحمل:
فذهب المالكية في المشهور إلى أن مبتدأ خَلْق الولد قد يُتيقن به قبل مرحلة العَلَقَة بمجرد أن ينعقد الدم ويجتمِع في أول طَوْرٍ من أطوار الحمل بالجنين، وهو أيضًا قولُ الإمام الحسن البصري، إذ اعتَبَر لمثل ذلك كلَّ ما تَعلَم فيه المرأةُ مِن نفسها أنَّه حملٌ.
وذهب الشافعية والإمام أشهب من المالكية إلى أن مبتدأ خَلْق الولد إنما يُمكن التيقن به في مرحلة العَلَقَة فما بَعدها، والعَلَقة هي الدم المُجْتَمِعُ الذي إذا صُبَّ عليه الماءُ الحارُّ لا يَذُوب.
فعن الحسن البصري رحمه الله: “إذا أَلْقَتِ المرأةُ شيئًا تَعلَمُ أنه حَمْلٌ.. انقَضَت به العدةُ”. وإذا كانت العدَّة مِن الأحكام التي سببُها فراغُ الرحم مِن الحمل بالولد، فكذلك الدَّمُ الْخَارِجُ بَعْدَ فَرَاغِ الرَّحِمِ مِن الْحَمْل يعد نفاسًا.
فيتحصل مِن ذلك: أن العلة عند الفقهاء في ثبوت دم النفاس هي أن يكون نزول الدَّم مرتبطًا بانْفِرَاجِ الرحم عن الولَدِ؛ لأنه ولادة، سواء أكان تامَّ الخِلْقةِ أم ناقصَها ما دام التخليق قد بدأ، وسواء أكان حيًّا أم ميتًا، وأن المرجع عندهم في تحديد استبانة الجنين هو المشاهدة والوجود كما تفيده عبارات الفقهاء، وأن إخبار أهل الاختصاص من الأطباء وغيرهم بهذا أو ذاك هو المُعْتَدُّ به في المقام الأول، باعتبار ممارستهم التوليدَ، وخبرتهم المتراكمة في معرفة أحوال الأجِنَّة، والتمييز بين ما يكون أصلَ ولدٍ ومبتدأ خَلْقه مِن غيره.



