"بلطجي في زي طالب".. "جيل Z" يضع منظومة التعليم خارج الخدمة والضحية مُعلم
كان المشهد صادمًا، ومؤلمًا لكل من آمن يومًا بأن المدرسة بيت العلم والأدب والأخلاق، لم نعتد في مجتمعنا على مثل هذه الصور التي تخل بتوازن القيم، لكن يبدو أن الزمن تغيّر، والأحوال تبدلت.
لم نكن نتحدث عن مشاجرات الشوارع أو مظاهر البلطجة في الخارج، بل عن منظومة مغلقة يُفترض أنها محكومة بالقواعد، داخل أسوار يعلوها شعار «المعرفة والنور».. المدرسة.. ذلك المكان الذي كان يومًا منارة للتربية قبل أن يكون للتعليم.
تبدلت الأدوار واختلطت القيم، وغابت الصورة القديمة للمعلم الذي كان يقف شامخًا أمام طلابه بهيبته ووقاره، يغرس فيهم العلم والأخلاق معًا.. واليوم، تتوالى الوقائع التي تهز الضمير فنجد طالب يرفع يده على معلمه، وآخر يسبّه أمام زملائه بأبشع الألفاظ، وثالث يتجرأ بالاعتداء عليه ضربًا.
مشاهد موجعة تهز أركان المنظومة التعليمية، وتطرح تساؤلات حقيقية حول ما وصلنا إليه.. كيف تحول بيت التربية إلى ساحة صراع؟ وأين اختفى الاحترام الذي كان يربط الطالب بمعلمه؟.. لقد تغيرت القيم.. وأصبحنا حقًا "ليس على ما يُرام".
وقائع حية

خلال الأيام الماضية شهدت محافظة القليوبية واقعة خطيرة ارتكبها طالب بإحدى مدارس القناطر الخيرية، حينما تعدى على معلمه أثناء الحصة وقام بتمزيق ملابسه أمام المدرسين والطلاب، وأمام مديرة المدرسة أيضًا، ثم جاء بعض أفراد أسرة الطالب بعد ذلك واقتحموا المدرسة واعتدوا لفظيًا على مديرة المدرسة ووكيلها بالسب، الأمر االذي أستدعي تدخل الوزير محمد عبداللطيف الذي وجه بتشكيل لجنة تحقيق فى الواقعة، والتى قررت فصل الطالب لمدة عام دراسى كامل، وتمت إحالة ولى أمره وأفراد أسرته إلى النيابة العامة بتهم اقتحام المدرسة والاعتداء على وكيلة ومديرة المدرسة بالسب والقذف.
الاعتداء على المعلمين ظاهرة خطيرة تهدد المنظومة التعليمية وتحتاج لتدخل عاجل

أكد الأستاذ الدكتور تامر شوقي، أستاذ علم النفس التربوي بجامعة عين شمس، أن الفترة الأخيرة شهدت تزايدًا ملحوظًا في حالات التعدي على المعلمين بصورة غير مسبوقة، مشيرًا إلى أن هذه الظاهرة باتت تشكل خطرًا حقيقيًا على مكانة المعلم وهيبة المؤسسة التعليمية، فضلًا عن تهديدها المباشر لنجاح العملية التعليمية في تحقيق أهدافها.
وأوضح «شوقي»، أن الاعتداءات على المعلمين لم تعد حالات فردية، بل أصبحت تتكرر بشكل يومي تقريبًا، حيث تنشر وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي أخبارًا عن تعديات من طلاب أو أولياء أمورهم على المعلمين بمختلف درجاتهم الوظيفية، وهو ما وصفه بأنه تجاوز خطير للسلطة التربوية داخل المدرسة.
أسباب أنتشار الظاهرة
وأشار إلى أن هذه الظاهرة ترجع إلى عدة أسباب، أبرزها ضعف القوانين واللوائح التي تحمي المعلم، وتراجع مكانته الاجتماعية، وتشويه صورته في بعض الأعمال الدرامية والإعلامية، إلى جانب تساهل بعض الإدارات في معاقبة المتجاوزين، وضعف دور نقابات المعلمين في الدفاع عن حقوقهم.
وأضاف «شوقي»، أن حل هذه الأزمة يتطلب تبني حزمة من الإجراءات التربوية والقانونية والمجتمعية، أبرزها تشديد العقوبات على المعتدين على المعلمين، ومنع تداول التحقيقات الخاصة بهم إعلاميًا حفاظًا على صورتهم، وتفعيل دور النقابات في حمايتهم قانونيًا، فضلًا عن احترام المسؤولين للمعلمين في الميدان وعدم توبيخهم علنًا.
ودعا أستاذ علم النفس التربوي إلى إطلاق حملات إعلامية لإعادة الاعتبار للمعلم وتضمين المناهج الدراسية قيم احترامه وتقديره، مع زيادة الرواتب والحوافز بما يعزز مكانته المادية والاجتماعية، مشددًا على أن إصلاح التعليم يبدأ من استعادة هيبة المعلم باعتباره الركيزة الأساسية في بناء الأجيال.
العنف المدرسي ظاهرة تهدد الأمن النفسي والتعليمي للأطفال حول العالم

أكد الدكتور وليد هندي، استشاري الصحة النفسية، أن العنف المدرسي يُعد من أخطر وأوسع أشكال العنف انتشارًا بين الأطفال والمراهقين، مشيرًا إلى أن تكلفته التقديرية عالميًا تصل إلى نحو 7 تريليونات دولار سنويًا.
وأوضح "هندي" في تصريح خاص لـ"نيوز رووم"، أن الإحصاءات الدولية تشير إلى أن نصف الطلاب الذين تتراوح أعمارهم بين 13 و15 عامًا، أي ما يقرب من 150 مليون طالب حول العالم، يتعرضون لأشكال مختلفة من العنف داخل المدارس، سواء كان تنمرًا أو اعتداءً جسديًا أو نفسيًا أو ماديًا أو إلكترونيًا، مؤكدًا أن تلك الأفعال تتسبب في أضرار جسدية وعقلية ونفسية عميقة قد تمتد مدى الحياة.
زيادة نسب العنف بين تلاميذ المرحلة الابتدائية
وأشار إلى أن الظاهرة لم تعد مقتصرة على الطلاب فقط، بل طالت أيضًا المعلمين والعاملين داخل المؤسسات التعليمية في عدد من الدول، مؤكدًا أن بعض الدول مثل أستراليا وبلجيكا وفرنسا واليابان شهدت معدلات مقلقة من حالات الاعتداء والعنف داخل المدارس.
أوضح أن الوضع في مصر مُقلق حيث أن بيانات خط نجدة الطفل 16000 كشفت عن زيادة نسب العنف بين تلاميذ المرحلة الابتدائية بنسبة 67% خلال الفترة من 2005 إلى 2015، ما يعكس خطورة الظاهرة وأثرها المباشر على الأطفال.
وأضاف، أن العنف المدرسي يخلف آثارًا نفسية وجسدية خطيرة، من بينها الاكتئاب، فقدان الثقة بالنفس، التسرب الدراسي، السلوك العدواني، واضطرابات القلق والنوم، محذرًا من أن بعض الحالات قد تصل إلى الانتحار، الذي يُعد ثالث أسباب الوفاة الرئيسية بين الفئة العمرية من 15 إلى 19 عامًا.
ضرورة وضع لوائح مدرسية رادعة لمواجهة العنف
وشدد استشاري الصحة النفسية على ضرورة وضع لوائح مدرسية رادعة لمواجهة العنف، وتدريب الكوادر التعليمية على مهارات الرصد والتعامل التربوي السليم مع السلوكيات العدوانية، مع تفعيل برامج الرعاية السلوكية والنفسية داخل المدارس، وتوفير الأخصائيين الاجتماعيين والنفسيين المؤهلين.
كما دعا إلى دمج قيم التسامح والتعاون ونبذ الكراهية في المناهج والأنشطة المدرسية، وتفعيل أدوات المشاركة الطلابية مثل صناديق المقترحات والاتحادات الطلابية والأنشطة الفنية والرياضية والمسرحية، لما لها من دور فعال في الحد من السلوك العدواني، مؤكدًا أن "العنف المدرسي سلوك بغيض يرسخ الشر في نفوس الأطفال، ومواجهته مسؤولية تربوية ومجتمعية مشتركة".
أسبابه انتشار الظاهرة وروشته لعلاجها

تقول الواعظة بوزارة الأوقاف منال المسلاوي، إن العملية التعلمية من أسمى وأرقى المهن فهى مهنة الأنبياء والرسل، ولا يمكن لأى دولة مهما كانت امكانياتها أن تستغنى عن المعلم، ولا يمكن لأحد أن ينكر دور المعلم في تنشئة الأجيال ورقى الأمم ونهضتها.
وأشارت في تصريحات خاصة لـ نيوز رووم: لولا المعلم وقيامه بدوره بإخلاص على الوجه الأكمل ما كانت المهن الأخرى الطب والصيدلة والهندسة وغيرها، فكيف يصبح هؤلاء في مهنتهم دون وجود من يعلمهم؛ فللمعلم مكانة كبيرة ومنزلة عالية.
آداب التعامل مع المعلم
وأوضحت الواعظة بوزارة الأوقاف، أو هناك آداب يجب أن يتحلى بها طالب العلم تجاه معلمه، ومنها: الجلوس أمامه بتواضع وأدب، وألا يرفع صوته في وجود معلمه، وأن يوقره ويحترمه وأن ينصت له، وأن يعمل بنصيحته وألا يشق عليه في الأسئلة التي لا فائدة من ورائها وأن يتأدب في سؤاله وژن يرفق بحاله وألا يتجرأ عليه بالقول أو الفعل أو ينتقده، وأن يدعو له ويشكر له صنيع فعله معه، فمن لا يشكر الناس لا يشكر الله.
وشددت: المعلم كالوالد يعلم ويوجه باللين والود والرحمة؛ وقد تضطره الظروف لاستخدام الشدة والعنف وكل هذا من حرصه على مصلحة الطالب، لذلك فإنه يجب على الطالب أن يكون مهذبًا ومطيعًا في تلقي الأوامر والتعليمات من معلمه.
فقد كان الإمام الشافعي رحمه الله إذا جلس في مجلس الإمام مالك رحمه الله يقلب الأوراق برفق شديد حتى لا ينزعج معلمه الإمام مالك.
ونبهت أن ما نراه اليوم من تطاول بعض الطلبة على معلميهم شئ مخزي محزن لم يحدث من قبل في مجتمعنا وهو أمر تستنكره الشريعة الإسلامية التي أعلت من شأن المعلم فقد قال تعالى: (يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ).
أسباب العنف المدرسي تجاه المعلم
وأشارت إلى أنه من الأسباب التي أدت إلى تهاون الطلبة مع معلميهم: عدم تنشئتهم داخل الأسرة على التنشئة الإسلامية الصحيحة التي تحثهم على احترام الكبير وتوقيره، فقد امرنا نبينا الكريم بذلك فقال (ﷺ) "ليس منَّا مَنْ لم يُجِلَّ كبيرَنا ، ويرحمْ صغيرَنا ! ويَعْرِفْ لعالِمِنا حقَّهُ".