عاجل

ما حكم التصديق بالأرصاد الجوية المتوقعة للطقس في المستقبل؟

الأرصاذ
الأرصاذ

أكدت دار الإفتاء أنه لا مانع شرعًا من التصديق بالتوقعات المُعْلَنة والمنشورة من هيئة الأرصاد الجوية المُتَعَلِّقة بحالة الطقس لفترةٍ قادمة، لَا سِيَّمَا وأنَّها مَبْنِيَّةٌ على قواعد ونظريات علمية متخصصة، ولا تزيد تلك الأخبار عن كونها أمورًا أغلبية يمكن أن يحدث خلافها، ولا علاقة لها بالتنجيم المُحرَّم شرعًا والذي هو مبني على التخمين والحدس وادِّعاء معرفة الأمور الغيبية واعتقاد أنَّ هناك مؤثِّرًا في الكون غير الله تعالى.

ما حكم التصديق بالأرصاد الجوية المتوقعة للطقس في المستقبل؟

سخر الله سبحانه وتعالى للإنسان الكون بما فيه بما يُحَقِّقُ وظيفته التي خُلِقَ من أجلها وهي: الخلافة في الأرض، ويُلَبِّي حاجاته الدينية والدنيوية، وكلما تَقَدَّمَ الزمن وارتقى عِلْمُ الإنسان، كُلَّمَا عظمت الاستفادة، وكثرت المنافع؛ قال تعالى: ﴿وَسَخَّرَ لَكُمُ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ دَائِبَيْنِ وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ﴾ [إبراهيم: 33].

قال الإمام النَّيْسَابُورِي في “غرائب القرآن ورغائب الفرقان”: قوله: ﴿وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ﴾، معنى تسخيرهما للناس: تصييرهما نافعين لهم بحسب مصالحهم على سنن واحد يتعاقبان دائما كالعبد المطواع، وكذا الكلام في تسخير الشمس والقمر والنجوم.

حكم التصديق بالأرصاد الجوية المتوقعة للطقس في المستقبل

ما تقوم به هيئات الأرصاد الجوية من نَشْرِ تقارير ونشرات دورية عن الطقس تشتمل على معلوماتٍ تَتَعلَّق بعمليات الرصد الجوي في منطقة مُعَيَّنة من الأرض، وبخاصةٍ العمليَّات الطَّبيعيَّة التي تَحْدُث على مدار اليوم كتغير درجات الحرارة، واحتمالات تساقط الأمطار والسحب المنخفضة، ومستوى الرُّطوبة، ومقدار الضَّغط الجوِّيِّ وغيرها من الظواهر، يتم معرفته بناءً على اطِّلاعهم على خرائط طبقات الجو العُليا موضحًا عليها المرتفعات والمنخفضات الجوية والكتل الهوائية، ثم قياسها فوق منطقة مُعَيَّنَة، وذلك باستخدام نظرياتٍ علمية، ومعادلاتٍ رياضية، وأجهزةٍ متطورة تعتمد عليها الجهة المتنبئة قبل إصدارها نشرتها الدورية عن الطقس خلال مُدَّةٍ مُعَيَّنةٍ كيوم أو يومين أو ثلاث.

ولا تَصْدُرُ تلك النشرات إلا بعد إجراء حساباتٍ علميةٍ دقيقة مبنيَّة على نظرياتٍ عامة وقوانين كونية وتجارب متكررة قام بها العلماء عبر الأجيال، مع الاستفادة العظمى بالعلوم والتكنولوجيا المتقدمة التي لا يمر يوم إلا وينبع عنها جديد، ومعلومٌ أنَّ تلك المعرفة للأحوال الجوية المرتقبة للطقس هي أمرٌ قائمٌ على غلبة الظن لا اليقين، وقد ورد عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم ذكر بعض العلامات التي يمكن من خلالها العمل بمثل هذه التوقعات، فعن أم المؤمنين السيدة عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إِذَا أَنْشَأَتِ السَّمَاءُ بَحْرِيَّةً، ثُمَّ تَشَاءَمَتْ فَهُوَ عَيْنٌ غُدَيْقَةٌ».

قال الإمام مالك بن أنس: معناه: إذا ضربت رِيحٌ بَحْرِيَّةٌ فأنشأت سحابًا، ثم ضربت ريحٌ من ناحية الشمال فتلك علامة المطر الغزير.
وقال العلَّامة النَّفَرَاوِي في “الفواكه الدواني”: الواجب اعتقاده: الجزم بِأَنَّ ظهور بعض الأشياء عند ظهور بعض النجوم أمرٌ أغلبي، ويجوز تخلفه، كما في قوله صلى الله عليه وسلم: «إذَا نَشَأَتْ بَحْرِيَّةً ثُمَّ تَشَاءَمَتْ فَتِلْكَ عَيْنٌ غُدَيْقَةٌ»، أَيْ: إذا طلعت السحابة من جهة الغرب ومالت إلى الشام فتلك السحابة غزيرة المطر.

دلَّ على ذلك حديثُ القرآن الكريم عن التهدي بهذه العلامات ومطلوبية العلم بها شرعًا، فقال تعالى: ﴿فَالِقُ الْإِصْبَاحِ وَجَعَلَ اللَّيْلَ سَكَنًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ حُسْبَانًا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ ۝ وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ النُّجُومَ لِتَهْتَدُوا بِهَا فِي ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ﴾ [الأنعام: 96-97]، وقوله تعالى: ﴿وَعَلَامَاتٍ وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ﴾ [النحل: 16]، وقوله تعالى: ﴿هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَاءً وَالْقَمَرَ نُورًا وَقَدَّرَهُ مَنَازِلَ لِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ﴾ [يونس: 5]، وقوله تعالى: ﴿يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحِجِّ﴾ [البقرة: 189].

قال الإمام ابن كثير في “تفسيره”: قوله: ﴿وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ حُسْبَانًا﴾ أي: يجريان بحساب مقنَّن مقدَّر، لا يتغيَّر ولا يضطرب، بل كلٌّ منهما له منازل يسلكها في الصيف والشتاء، فيترتب على ذلك اختلاف الليل والنهار طولًا وقصرًا.

مما يدلُّ على أنَّ التنبؤ بأحوال الطقس المبني على الحس والمشاهدة والنظريات العلمية الدقيقة، مع الخبرة والدُّرْبَة هو أمرٌ جائز شرعًا، وليس من التنجيم المنهي عنه شرعًا؛ والذي هو: ادعاء علم الحوادث أو الوقائع الغيبية؛ كالإخبارِ بأوقات السعادة والشَّقاء، والحياة والموت، وما في معانيها من الأمور التي يزعم المنجمون أنها تُدرك مَعرِفَتُها بِمَسِيرِ الكواكب واجتماعها وافتراقها، فيُعْتَقَد أنَّ لكل نَجم تأثيرًا في حوادثِ الأرض.

والتنجيم بهذا المفهوم هو ضرب من الكهانة التي تشمل التنجيم والعرافة والرمل والخَطَّ وغيرها مما يؤول إلى ادِّعاءِ عِلمِ الغيبِ الذي استَأثَر الله به، وكلُّ هذا محرمٌ في الشريعة الإسلامية؛ لأنَّ ذلك من دعوى عِلمِ الغَيبِ، ولا يعلَمُه إلَّا اللهُ.

بخلاف الإخبار بأحوال الطقس القائمة على نظريات علمية وقوانين فلكية مستمدة من تسخير الله للكون وقائمةٌ على الحسِّ والمشاهدة وتعتمد على مقدماتٍ ونتائج علمية، كما ذكرنا.
قال الإمام الخَطَّابي في “معالم السُّنن”: أمَّا علم النجوم الذي يدرك من طريق المشاهدة والحسِّ الذي يعرف به الزوال ويعلم به جهة القبلة فإنه غيرُ داخلٍ فيما نهي عنه.

تم نسخ الرابط