تمثل الموارد الطبيعية أحد الأركان الاستراتيجية في بناء الدولة الحديثة ومقومات استقلالها الاقتصادي والسياسي كما أن الإدارة الرشيدة لهذه الموارد تعد مدخلًا رئيسيًا لتحقيق التنمية المستدامة والعدالة الاجتماعية وحقوق الأجيال القادمة وفي هذا السياق تحتل الحوكمة الدستورية للموارد الطبيعية أهمية خاصة بوصفها الإطار الأعلى الذي ينظم العلاقة بين الدولة والمواطن والمجتمع في ما يخص ملكية الموارد واستخدامها وتوزيع عوائدها والمساءلة حول إدارتها ولكن عند النظر إلى الدستور المصري الصادر في عام 2014 وتعديلاته نجد أنه رغم احتوائه على بعض الإشارات المتعلقة بالثروات الطبيعية فإنه يفتقر إلى منظومة متكاملة وواضحة للحوكمة الدستورية لهذه الموارد مما يطرح تساؤلات جدية حول مدى كفاية هذا الدستور في ضمان الإدارة العادلة والشفافة والمسؤولة للثروات الطبيعية المصرية إن قراءة متأنية لنصوص الدستور المصري تكشف أن المادة 32 هي المادة الوحيدة التي تناولت الثروات الطبيعية حيث تنص على أن الدولة تملك الموارد الطبيعية وأن استغلالها يكون بموجب القانون بما يحفظ حقوق الدولة وأجيالها القادمة ورغم أهمية هذا النص إلا أنه لا يتضمن قواعد محددة تضع ضوابط واضحة لإدارة الموارد الطبيعية أو آليات لمساءلة الجهات المسؤولة عن إدارتها كما أنه لا ينص على مبدأ الشفافية أو حق المواطنين في الاطلاع على العقود المبرمة بشأن هذه الموارد أو المشاركة في مناقشة سياسات إدارتها بل يترك الأمر برمته إلى تقدير المشرع العادي والسلطة التنفيذية وهو ما يفتح الباب أمام غياب الشفافية ومظاهر الفساد أو سوء الإدارة ويزداد الأمر تعقيدًا في ضوء ما تشهده مصر من توسع في مشاريع استغلال الموارد الطبيعية مثل مشاريع التنقيب عن الغاز الطبيعي والمعادن ومشاريع المياه والطاقة الجديدة والمتجددة وهي مشاريع ذات أثر بالغ على الاقتصاد والبيئة وحقوق المجتمعات المحلية وتستلزم بالضرورة وجود إطار دستوري يحدد بوضوح قواعد حوكمتها ويضمن مشاركة جميع الأطراف ذات العلاقة في متابعتها وتقييمها بما يحقق التوازن بين متطلبات التنمية وحماية الحقوق ومن ثم فإن غياب نصوص دستورية صريحة ومتكاملة بشأن حوكمة الموارد الطبيعية يعد نقطة ضعف في الدستور المصري ويقلل من فاعليته كأداة لضبط الأداء الاقتصادي والسياسي على المدى البعيد وقد بات من الضروري التفكير في إدراج نصوص دستورية تضمن المبادئ الأساسية للحوكمة مثل الشفافية والمساءلة والمشاركة والمساواة في توزيع العوائد وعدم الإضرار بالبيئة والالتزام بحقوق الأجيال القادمة كما يمكن أن ينص الدستور على إنشاء هيئة دستورية مستقلة للموارد الطبيعية تكون مهمتها مراقبة عقود الاستغلال وتقييم آثار المشاريع الكبرى وتقديم تقارير دورية إلى البرلمان والرأي العام حول أداء الدولة في هذا الملف الحساس إن الحوكمة الدستورية للموارد الطبيعية لم تعد خيارًا بل ضرورة وجودية في ظل ما يواجهه العالم من تحديات بيئية واقتصادية وفي ظل تطلع المواطن المصري إلى عدالة في توزيع الثروات وضمان ألا تكون الموارد الطبيعية مجالًا للاحتكار أو الإهدار أو القرارات المنفردة ومن هنا فإن تطوير النصوص الدستورية في هذا الاتجاه يمثل خطوة حيوية نحو ترسيخ دولة القانون والتنمية المستدامة والعدالة بين الأجيال