مولد الإمام الحسين 2025|حادثة الجمل الأعمى وسر دفن الرأس الشريف في قلب القاهرة

تواصل الطرق الصوفية اليوم الاثنين، الاحتفال بمولد الإمام الحسين، والذي يختتم أسبوع الاحتفالات غدًا الثلاثاء، لكم ما هو سرّ الجمل الأعمى الذي حدد موضع رأس الإمام الحسين في قلب القاهرة؟
مولد الإمام الحسين
لم يكن اختيار موضع ضريح الإمام الحسين (عليه السلام) في القاهرة صدفة بشرية ولا اجتهاداً من أحد، بل ارتبط بواقعة فريدة لا تزال محفورة في الذاكرة التاريخية الإسلامية، تُعرف باسم "حادثة الجمل الأعمى"، تلك الحادثة التي حددت بإشارة غيبية كما آمن الناس آنذاك موضع الرأس الشريف في المكان الذي يقوم فيه المشهد الحسيني اليوم بحي الحسين الفاطمي.
بدأت القصة سنة 548 هـ / 1153 م - حسبما ينقل الباحث في التصوف مصطفى زايد عن المراجع التاريخية في قصة استقرار الرأس الشريف بمدينة القاهرة، حينما اشتدت تهديدات الصليبيين لمدينة عسقلان، التي كان محفوظاً بها رأس الإمام الحسين (عليه السلام) منذ نقله إليها من كربلاء في القرون الأولى. خشي الوزير الصالح طلائع بن رزيك على الرأس الشريف من أيدي الفرنج، فأصدر الخليفة الفاطمي الفائز بنصر الله أمره بنقل الرأس إلى القاهرة لتكون في مأمن من العدوان.
وورد ذكر هذه الواقعة في كتاب «اتعاظ الحنفا بأخبار الأئمة الفاطميين الخلفا» للمقريزي، الذي قال: «وفي سنة ثمان وأربعين وخمسمائة خاف الوزير الصالح طلائع بن رزيك على الرأس الشريف من الفرنج، فأنفذ الخليفة الفائز بنصر الله إليه يأمره بنقله إلى القاهرة». وهكذا بدأت الرحلة التاريخية التي انتهت بمعجزة سيذكرها المؤرخون طويلاً.
حينما تقرر نقل الرأس الشريف، وُضع في صندوق مُحكم وأُركب على جمل أعمى ليكون دليله في الطريق إرادة الله وحدها، لا عين بشر ولا توجيه قائد. سار الركب في شوارع القاهرة حتى وصل الجمل إلى موضع يُعرف بـ"ركن الديلم" في قلب القاهرة القديمة. وهناك، فجأة، برك الجمل ورفض النهوض مهما حاولوا تحريكه أو دفعه.
وقد روى الإمام أبو الفداء إسماعيل بن علي في كتابه «مختصر في أخبار البشر» هذه الحادثة قائلاً: «وحمل الرأس على جمل أعمى، فلما بلغ موضع المشهد الحالي بركن الديلم برك الجمل ولم يقم، فضربوه فلم يقم، فعلموا أن البركة في ذلك الموضع، فبُني فيه المشهد».
لم تكن الواقعة عادية في نظر الحاضرين؛ فقد رأوا في توقف الجمل علامةً ربانية واضحة على أن هذا الموضع هو المختار إلهياً لاحتضان الرأس الشريف. الوزير طلائع بن رزيك، وكان من أكثر رجال الدولة إيماناً بمقام آل البيت، أدرك أن ما حدث ليس صدفة، فأمر على الفور بتشييد مشهد عظيم يليق بمقام الحسين في ذلك المكان.
وقد ذكر المؤرخ ابن العماد الحنبلي في كتابه «شذرات الذهب في أخبار من ذهب» ما يؤكد الرواية نفسها: «فحمل الرأس على جمل أعمى وخرجوا به، فلما انتهوا إلى مكان المشهد برك الجمل، فعلموا أن المكان شريف، فبنى فيه طلائع بن رزيك المشهد».
وجاءت رواية ثالثة من مؤرخ مصري معاصر للحدث تقريباً، هو ابن ميسر في كتابه «المنتقى في أخبار مصر»، حيث قال: «ونقل الرأس من عسقلان على جمل، فلما وصل إلى مكان المشهد الحالي توقف ولم يتحرك، فُهم أن في ذلك علامة، فشيد الوزير المشهد في ذلك الموضع».
هذه الشهادات الثلاث من مؤرخين مختلفين تؤكد أن القصة لم تكن نتاج خيال شعبي لاحق، بل رواية مسجلة ومتكررة في أكثر من مصدر من عصور متباينة، مما يعطيها مصداقية تاريخية قوية.
رمزية اختيار جمل أعمى
ومن حيث التأمل في رمزية القصة، فإن اختيار جمل أعمى يحمل دلالة عميقة؛ فالأعمى لا يهتدي ببصره وإنما يسير بإلهامٍ داخلي، مما جعل الناس يرون في بروكه في ذلك المكان إشارة غيبية إلى أن الموضع قد اختير بإرادة إلهية لا بشرية. وهكذا أُقيم المشهد الحسيني في المكان الذي برك فيه الجمل الأعمى، ليصبح واحداً من أقدس وأشهر المزارات الإسلامية في مصر والعالم، يجتمع حوله المسلمون من كل المذاهب حباً لآل بيت النبي محمد صلى الله عليه وسلم، وليبقى الجمل الأعمى رمزاً لإرادة السماء في اختيار موضع النور الحسيني في قلب القاهرة.