في ذكرى وفاته الـ47.. عبد الحليم محمود إمام العارفين وبشير النصر وصانع العصر

تحل اليوم 17 أكتوبر الذكرى السابعة والأربعون لوفاة الإمام الأكبر الدكتور عبد الحليم محمود شيخ الأزهر الشريف، وأحد رموز التجديد الديني والعلمي في القرن العشرين، والذي ترك وراءه تراثا علميًا وروحيا وفكريا لا يزال أثره حاضرًا في العالم الإسلامي.
ولد الشيخ عبد الحليم محمود في 12 مايو 1910 ، بقرية السلام التابعة لمركز بلبيس بمحافظة الشرقية على ضفاف ترعة الإسماعيلية، في أسرة عرفت بالصلاح والتقوى. حفظ القرآن الكريم صغيرا، ثم التحق بالأزهر عام 1923م، وتنقل بين حلقاته، ثم التحق بمعهد الزقازيق الأزهري عند افتتاحه عام 1925م، بالإضافة إلى معهد المعلمين المسائي، حيث جمع بين الدراستين ونجح فيهما معًا. حصل على الشهادة الثانوية الأزهرية عام 1928م، ثم شهادة العالمية عام 1932م (1351هـ).
خطبة قوية من منبرالأزهر
و ألقى الإمام خطبة قوية من منبر الأزهر الشريف، أعلن فيها أن الحرب ضد الاحتلال الإسرائيلي هي جهاد في سبيل الله، ومن يُستشهد فيها له الجنة، ومن يتخلف عنها يموت على شعبة من شعب النفاق. وكان لموقفه دور كبير في رفع الروح المعنوية لدى القيادة والجنود والشعب، ومهّد الطريق لنصر رمضان المجيد.
وفي 16 من ذي القعدة عام 1398هـ، الموافق 17 أكتوبر 1978م، عاد الإمام من رحلة الحج، وأجرى عملية جراحية بمستشفى في القاهرة، لكن حالته الصحية تدهورت، وتوفي بعد ثلاثة أيام. خيم الحزن على الأمة الإسلامية برحيله، واحتشدت جموع المسلمين في الجامع الأزهر للصلاة عليه، ثم شيع جثمانه إلى مسقط رأسه بالشرقية، حيث دُفن في ضريح أنشأه شقيقه الشيخ عبد الغني بجوار مسجد القرية.
المسيرة العلمية والعملية
سافر الإمام عبد الحليم محمود إلى فرنسا على نفقته الخاصة لاستكمال دراسته العليا، حيث حصل على الدكتوراه في الفلسفة الإسلامية عن رسالته حول "الحارث المحاسبي" سنة 1940م (1359هـ). وكان الشيخ متبحرًا في العديد من العلوم والفنون، مما أهّله لتولي عدة مناصب مرموقة، منها:
مدرس علم النفس بكلية اللغة العربية
أستاذ الفلسفة بكلية أصول الدين (1951م)
عميد كلية أصول الدين (1964م)
أمين عام مجمع البحوث الإسلامية
وكيل الأزهر الشريف (1970م)
وزير الأوقاف وشؤون الأزهر
شيخ الأزهر الشريف (1973م)
خلال مسيرته، جمع الإمام بين العلم والقيادة والرؤية الإصلاحية الواعية، وكان من أبرز من أعاد للأزهر مكانته وهيبته على المستويين المحلي والدولي، وارتبط اسمه بـ"العصر الذهبي للمعاهد الأزهرية"، حيث أنشأ أكثر من 4000 معهد ديني في مختلف محافظات الجمهورية.
جهوده الدعوية والإصلاحية
عرف عن الإمام الأكبر عبد الحليم محمود وعيه العميق بأهمية الإدارة والتخطيط في العمل الدعوي، وتمثل ذلك في قراراته ومبادراته الجريئة:
خلال توليه وزارة الأوقاف، عمل على ترميم وتجديد المساجد الأثرية، وعلى رأسها مسجد عمرو بن العاص، وكلف الشيخ محمد الغزالي بالخطابة فيه. كما ضم عددًا من المساجد الأهلية إلى الإشراف الأوقافي.
استرد أملاك وأوقاف الوزارة من هيئة الإصلاح الزراعي، وأنشأ داخل الوزارة هيئة الأوقاف المصرية لإدارتها بشكل مستقل ومنظم.
أثناء قيادته لـمجمع البحوث الإسلامية، أنشأ الهيكل الإداري والتنظيمي الحديث للمجمع، وحدد له مقره الدائم بمدينة نصر.
طور مكتبة الأزهر الشريف وأمدها بالكتب والمراجع النادرة.
توسع في إنشاء المعاهد الأزهرية في أنحاء الجمهورية لتغطية مراحل التعليم المختلفة.
موقفه التاريخي في حرب أكتوبر
كان للإمام عبد الحليم محمود دور روحي ووطنيٌ فريد قبيل وأثناء حرب أكتوبر 1973م. فقد رأى في المنام رسول الله ﷺ يعبر قناة السويس بصحبة العلماء وجنود القوات المسلحة، فاستبشر خيرًا، وتوجه إلى الرئيس أنور السادات لنقل البشارة، مطمئنًا إياه إلى النصر.
و صعد إلى منبر الأزهر الشريف، وألقى خطبة حماسية أكد فيها أن الحرب ضد العدو الصهيوني هي جهاد في سبيل الله، وأن الشهادة فيها جنة، بينما المتقاعس عنها يموت على شعبة من شعب النفاق. وقد كان لهذا الموقف أثر بالغ في تعزيز الروح المعنوية للقادة والجنود والشعب على حد سواء، وساهم في تحقيق نصر رمضان المجيد.
وفاته وسيرته العطرة
في 16 من ذي القعدة 1398هـ، الموافق 17 أكتوبر 1978م، عاد الإمام من رحلة الحج، وأجرى عملية جراحية بمستشفى بالقاهرة، لكنه توفي بعد ثلاثة أيام. عمّ الحزن الأوساط الإسلامية، واحتشد الآلاف للصلاة عليه في الجامع الأزهر، ثم نُقل جثمانه إلى قريته بالشرقية، حيث دُفن في ضريح بناه شقيقه الشيخ عبد الغني بجوار مسجد القرية.
توفي الإمام عبد الحليم محمود وقد تَبرّع بكل ما يملك، فلم يترك شيئًا من متاع الدنيا، بل ترك إرثا علميا وفكريا وروحيا خالدا، وسيرةً عطرة تروى في كل محفل.