عاجل

نريد في هذا المقال أن نعرض كتاب: الإرهاب الأمريكي، للكاتب اللواء دكتور أحمد البكري الصادر عن دار سما للنشر عام 2025. وهو كتاب مهم لأنه يتناول الإرهاب عمومًا والإرهاب الأمريكي خصوصًا، ولأن الإرهاب ظاهرة حديثة نسبيًا، وتكاد أن تكون ظاهرة أمريكية بدرجة كبيرة، فإن أهمية الكتاب تأتي من أنه يجيب عن تساؤلات ملحة في الوقت الراهن. فالقارئ يريد أن يفهم هذه القوة التي تهيمن على عالم اليوم ومنذ زمن ليس بالقريب. كيف نشأت هذه القوة، وكيف تطورت، ومن هم ضحاياها من النشأة إلى التطور إلى الحالة التي وصلت إليها اليوم؟ ومعروف أن الولايات المتحدة الأمريكية نشأت على أنقاض أمة، وربما أمم، كانت مستقرة في تلك القارة التي هاجروا إليها، ومعروف أن هذه الأمة أو تلك الأمم قد أُبيدت دون رحمة، فلم تكن المواجهة متكافئة لسوء الحظ، فقد كانت بين الأسلحة المصنوعة من الخشب والحجر مثل السهام والرماح والفؤوس، بينما جاء الأوروبيون بالسلاح الناري والبنادق، وكان الصراع محسومًا، ومن هناك كانت جذور الإرهاب الأمريكي.  سوف نعرض أهم الأفكار التي وردت في الكتاب. وسوف نبين للقارئ أهميته، وربما جادلنا الكاتب في بعض أفكاره. ومعروف في الوقت الراهن أن الهيمنة الأمريكية على العالم بدأت إرهاصاتها من الحرب العالمية الأولى، وترسخت بعد الحرب العالمية الثانية، وخاصة بعد حرب السويس والعدوان الثلاثي على مصر الذي أخفق في تحقيق مطامع بريطانيا، وأسهم هذا الإخفاق في إزاحة بريطانيا بوصفها الإمبراطورية التي لا تغيب عنها الشمس، وبعدها دعمت مصر حركات التحرر في أغلب الأمم المغلوبة بدءًا من الجزائر وسائر الدول الأفريقية، ووصولاً إلى القارة الهندية إلى كوبا وغيرها.

العرض
كتاب "الإرهاب الأمريكي" من أهم الكتب التي ظهرت مؤخرًا حول ظاهرة الإرهاب عامة والإرهاب الأمريكي بنوع خاص. وتأتي أهمية الكتاب من واقع أن مؤلفه خبير أمني أحنكته التجارب في التعامل مع قضايا الإرهاب المحلي والدولي. وهو صاحب عزيمة بحثية دفعته إلى أن ينقل تجربته إلى القارئ، وصاحب فكر اتخذ من مناسبة الكتابة عن الإرهاب أداة للحديث عن إرهاب إمبريالي ربما يتحرج آخرون من الحديث عنه. ولكن كثيرًا من القراء هذه الأيام يريدون معرفة الإرهاب الأمريكي وفهمه، ويتطلعون إلى من يفسر لهم هُوية هذه القوة التي تهدد العالم المعاصر، كيف نشأت وكيف تطورت. وكتب قليلة هي التي تناولت الإرهاب الأمريكي، منها كتاب خليل ابراهيم حسونة بعنوان: "الإرهاب الأمريكي: البداية والنهاية" (1986)، من جزئين، ولم أستطع أن أحصل على نسخة منه.  ومنها أيضًا كتاب من تأليف ستيفن جرين بعنوان: "الانحياز: علاقات الولايات المتحدة الأمريكية السرية بإسرائيل (1985)، وهو كتاب يفضح العلاقات الأمريكية الإسرائيلية وتطورها منذ تأسيس دولة إسرائيل في سنة 1948 حتى حرب 1967، ويكشف أسرارًا مذهلة في هذه العلاقات من خلال الوثائق الرسمية التي استمدها الكاتب من الملفات السرية في وزارة الخارجية الأمريكية، والملفات السرية للاستخبارات الأمريكية المدنية والعسكرية. وتعرض الدراسات تفصيلات مهمة حول ممارسات المنظمات الصهيونية في فلسطين في الفترة بين 1947 - 1948 وممارسات إسرائيل فيما بعد، ويركز الكاتب على ما قدمته الولايات المتحدة من عون لإسرائيل سواء عند التأسيس أو في حروبها العدوانية ضد العرب.
وهناك من أمعن في فضح الإرهاب الأمريكي بالوثائق مثل الصحفي الأمريكي "وليام بلوم" الذي ألف كتابًا بعنوان: الولايات المتحدة.. الدولة السوقية"، وكان بلوم يعمل في مواقع حساسة جدًا، فقدم مئات الحجج والبراهين على طيش الولايات المتحدة الأمريكية ونزقها، وفي الجزء الأول تناول علاقة الحب والكره بين بلاده والإرهابيين ومنتهكي حقوق الإنسان، وبيان الاغتيالات التي تنفذها بلاده ضد الآخرين، وفي الجزء الثاني تناول استعمال الولايات المتحدة الأمريكية لأسلحة الدمار الشامل من يورانيوم منضب وقنابل وأسلحة بيولوجية وكيماوية. ويخصص الجزء الثالث لسرد تاريخي من العام 1945 إلى العام 2000 يتناول فيه تزويرها للانتخابات وبيان دورها في الأعمال ضد إرادة الدول في هيئة الأمم، وما تقوم به من تنصت على الآخرين.. إنه سجل أسود حافل بالمظالم".(1) 
وقد صرح نعوم تشومسكي المفكر اليهودي الأمريكي البارز لمجلة البيان مجيبًا على سؤال: ما هي مصداقية ما يُسمى بالحرب ضد الإرهاب، وهل تعتقد أن الإسلام، بوصفه حضارة، مستهدف من هذه الحرب؟ قال: "إنها ليست حربًا ضد الإسلام كما أنها ليست حربًا ضد الإرهاب!! فالولايات المتحدة الأمريكية   نفسها قائدة الإرهاب في العالم!! وقد أدينت من قِبل محكمة العدل الدولية بدعم الإرهاب في العالم، ولديها سجل حافل بذلك لا يخفى على أحد!! (2) ويرى "نعوم تشومسكي" أن الولايات المتحدة الأمريكية ارتكبت ما يسميه "إرهاب الدولة"، وضرب أمثلة منها: دعم "الكونترا" في نيكاراجوا في ثمانينيات القرن الماضي، ودعم الأنظمة الدكتاتورية المتطرفة في الولايات الأمريكية الجنوبية خلال الحرب الباردة، ومجزرة "ماي" في فيتنام، وكثير من الأعمال الأخرى التي لا تعترف بها الولايات المتحدة الأمريكية.       
وأما فيما يتصل بتعريف الإرهاب فمعروف أن المجتمع الدولي الذي تهمين عليه الولايات المتحدة الأمريكية لا يريد أن يصل إلى تعريف محدد للإرهاب؛ فأي تعريف محدد للإرهاب قد لا يتفق مع الممارسات الأمريكية؛ وقد جرب العالم أكثر من مائة تعريف للإرهاب، وربما كان الفرق الوحيد بين الإرهاب والجريمة التقليدية أن الإرهابيين لا ينشدون منافع شخصية مباشرة من أعمالهم، ولا يسعون وراء مكاسب مادية، وإنما هم يريدون تغيير الواقع العام، فهم يسعون إلى تغيير أنظمة الحكم، أو التخلص من ظلم عام واقع على الناس جميعًا في نظرهم. "فمفهوم الإرهاب، كما يقول الكاتب أحمد ابراهيم، من أكثر المفهومات التي يحيط بها الالتباس والغموض، مما يخلق صعوبات عديدة في التعامل مع ظاهرة الإرهاب من مختلف النواحي، لا سيما الأبعاد السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية المتعلقة بها. ويرتبط هذا الالتباس والغموض إلى حد كبير بأن ظاهرة الإرهاب كانت دائمًا عرضة للتلاعب السياسي من جانب الأطراف المعنية، سواء على مستوى العلاقات الدولية أو على مستوى التفاعلات الداخلية في الدولة الواحدة، إذ دأبت أغلب الحكومات المعنية على إطلاق وصف الإرهاب بصورة منضبطة على أعمال العنف التي يقوم بها خصومها الداخليون أو الخارجيون، باعتبار ذلك جزءًا رئيسيًا من استراتيجية المواجهة السياسية لهؤلاء الخصوم بهدف إضعافهم وإدانة ما يقومون به من أعمال.(3) فالعالم الغربي لا يريد أن يستقر على تعريف محدد للإرهاب، فلعله إن استقر على تعريف محدد للإرهاب أن يرتد هذا التعريف في وجهه. 
وقد رأينا كيف كان الأفغانيون مجاهدين في نظر الأمريكيين حين كانوا يحاربون السوفييت، ثم تحولوا إلى إرهابيين عندما أصبحوا يحاربون الولايات المتحدة الأمريكية. ورأينا قبل ذلك كيف كان الفيتناميون "إرهابيين" حين كانوا يدافعون عن بلادهم في وجه الغزو الإمبريالي الأمريكي، ورأينا كيف يُنعت الفلسطينيون في الستينيات إلى اليوم بالإرهاب لأنهم يقاومون المحتل الإسرائيلي لأرضهم، وكيف كان الأفارقة إرهابيين حين كانوا ينتفضون في وجه الاستعباد الأمريكي في الداخل والخارج. وكان نلسون مانديلا إرهابيًا حين كان يقود مقاومة بلاده في وجه التمييز العنصري الذي كان الإمبرياليون الغربيون يفرضونه على جنوب أفريقيا، وكان فيديل كاسترو إرهابيًا حين كان يرفض التدخل الأمريكي السافر في شئون بلاده الداخلية والخارجية. وإذا كنا نعترف اليوم بأن الولايات المتحدة الأمريكية هي القوة المهيمنة الأولى بعد الحرب العالمية الثانية على وجه الخصوص، فإنها قد استخدمت الإرهاب أداتها الفعالة في تنفيذ ما تريد من أجندات، إلى أن أصبح الإرهاب الأمريكي من الأمور الطبيعية في عالم اليوم، بل إنه أصبح سافرًا لم يعد يتوارى وراء شعارات حقوق الإنسان والدفاع عن الحريات كما كان يفعل منذ عهد قريب. 
وقد أخفقت الأمم كما قلنا في الوصول إلى تعريف شامل معتمد للإرهاب من خلال الأمم المتحدة "لا سيما فيما يتعلق بمطالبة الكثير من الدول بالتمييز بين الإرهاب والمقاومة المشروعة ضد الاحتلال الأجنبي، فضلاً عن أهمية عدم إغفال إرهاب الدولة في هذه الاتفاقية الدولية المزمعة وهو ما أثار جدلاً دوليًا محتدمًا لم ينته حتى وقتنا الحالي، مما أدى إلى العجز عن الانتهاء من صياغة الاتفاقية المذكورة، الأمر  الذي ساهم في استمرار فوضى التعامل الدولي مع ظاهرة الإرهاب، بسبب غياب إطار قانوني دولي ملزم يمكن الاحتكام إليه في تعريف الجريمة الإرهابية وعناصرها وسبل مواجهتها".(4) 
يستحق الإرهاب الأمريكي أن تُؤلف عنه الكتب دون حرج ودون تردد، وهذا ما يفعله الدكتور البكري، لأن الدكتور البكري يعرف كما يعرف أمثاله من الباحثين المدققين أن الولايات المتحدة الأمريكية استخدمت الإرهاب بوصفه سلاحًا باطشًا لفرض هيمنتها وتحقيق أجندتها. وللولايات المتحدة الأمريكية منذ الحرب العالمية الثانية، بل ومنذ الأولى هدف واحد: وهو قيادة العالم دون أن يشاركها أحد في ذلك، وقد ظفرت بكثير مما تريد منذ ذلك الحين وحتى اليوم. ولكن اليوم يبدو أن الكرة الأرضية تتحرك حركة بطيئة عكس الاتجاه الذي اعتادت عليه الولايات المتحدة الأمريكية؛ وواضح أن الحركة تسير عكس التيار السائد، وواضح أن هناك قوى أخرى تلوح في الأفق، تتحدى وتتحرك وتصر، وأن هذه القوى، وهي الصين والهند وكوريا الشمالية والبرازيل وروسيا، واثقة من نفسها، غير آبهة بشيء. لقد دخل العالم منذ الحرب الروسية الأوكرانية إلى حالة جديد تمامًا من التغيير نحو الوجهة التي لا تريدها الولايات المتحدة الأمريكية   أو تتمناها. 
يستهل الدكتور البكري كتابه المهم هذا بفصل عن نشأة الولايات المتحدة الأمريكية، وهو فصل طويل نسبيًا يزيد على الثلاثين صفحة، فيه أربعة مباحث: ظهور المستعمرات الإنجليزية، وجذور التمرد في هذه المستعمرات، ثم حرب الاستقلال الأمريكية، ثم التطورات في مرحلة ما بعد الاستقلال. والحديث عن نشأة الولايات المتحدة الأمريكية ليس بدون طائل فيما يتصل بموضوع الكتاب؛ فقد نشأت الولايات المتحدة الأمريكية على أنقاض أمة لم تكن صغيرة ولا هينة، وإنما كانت أمة ضخمة لها حضارات راسخة كما يقول الكاتب: 
لم يكن المهاجرون الأوروبيون أول من وصل أو استوطن الولايات المتحدة الأمريكية   الشمالية منذ القرن الخامس عشر الميلادي، بل كانت الولايات المتحدة الأمريكية عامرة بأهلها وحضارتهم القديمة التي أثبتت جذورهم التاريخية في تلك البقاع. ويمكن تحديد الشعوب التي سكنت الأراضي الأمريكية قبل الكشوف كالآتي: شعوب ذات حضارة راقية مثل "الآزتك" ذوي الحضارة القديمة التي تمتد من العصور الوسطى في المكسيك، وهم الذين أسسوا مدينة المكسيك الحالية عام 1325م، وشعب "الآنكا" الذي عاش في أراضي كل من بنما وبيرو وشيلي وبوليفيا الحالية".(5) 
 
هكذا يشير الكاتب إلى نقطة مهمة في التمهيد لبحثه، وهي أن الأراضي الأمريكية لم تكن خالية من البشر قبل زحف الأوروبيين إليها. كان يعيش على الأرض الأمريكية قبل الاكتشاف أكثر من عشرة ملايين ممن أطلق عليهم الأوروبيون الزاحفون "الهنود الحمر"، لقد أباد الأوروبيون شعبًا كاملاً، وهي الجريمة الأولى التي ارتكبها أجداد الأمريكيين الحاليين، وما الأمريكيون الحاليون إلا من أصلاب أولئك الذي ارتكبوا تلك الإبادة الجماعية الأولى في تاريخ البشرية. يقول الدكتور شاكر مصطفى في مقاله المهم المعنون بـ "ثمن الحضارة الغربية" والمنشور في مجلة العربي الكويتية العريقة العدد 277 لعام 1981:  
كانت الولايات المتحدة الأمريكية قبل كولومبس دنيا كاملة من الحضارات: أنظمة للحكم وطبقات اجتماعية وملوك، وجيوش وقلاع وأسوار، وطرق وقصور ذهبية الأبواب، ومدن تفتن الأعين، وفنون تغالب الخيال في النحت والرسم، وكتابة وحساب وهندسة ومعارف فلكية دقيقة وطب وعلاج، وحرف وزراعة تتسلق السفوح وشبكات محيرة من أقنية الري، ومصوغات أسطورية الجمال، وتعدين للذهب والفضة والنحاس، وتاريخ من العلاقات الإنسانية ومن الحروب والإمبراطوريات، ومراسم الاحتفال وطقوس الدين والكهنوت ... الهندي الذي تقدمه لنا أفلام الكاوبوي والزحف نحو الغرب، عينًا وحشية حمراء وقسمات نحاسية متقلصة بالحقد، وسكينًا غادرة تشق الخيمة البدائية، هذا الهندي هو كذبة الإعلام الأمريكي، إنه لم يكن موجودًا إلا على الأطراف البعيدة لتلك الحضارات، الأرض الأمريكية من الشمال حتى أقصى الجنوب كانت تتوزعها حضارات الآزتيك ذات المدن الخرافية في المكسيك والمايا في كولومبيا  والتانيو في جزر الأنتيل  ومملكة الأنكا، ربة الشموس الذهبية في البيرو التوبيناما في البرازيل والفواراني في البارجواي والأوركانيين في شيلي. (6)   
وحديث الدكتور شاكر مصطفى شاهد أقدم يُضاف إلى شهادة الدكتور البكري، على أن الأراضي الأمريكية لم تكن خالية من البشر ذوي الحضارات العريقة، ولكن أين تلك الحضارات؟ لقد انطفأت بعد أن أطل عليها الأوروبيون. أو بادت على أيدي الغزاة الجدد المدججين بالأسلحة والبارود. اضحت عاجزة أمام الإنسان الغربي القادم من المجهول، أسلمت للعدم أمام طوفان الطمع الاستعماري المسلح بتكنولوجيا الموت.   انطفأت كما يقول الدكتور شاكر مصطفى: 
بضربات شيطانية ماحقة، اختفت بدماء أصحابها وذهبهم، جنون الذهب الذي أصاب الغزاة افترس الجنس الهندي  وأباد حتى ظلال البيوت .. كورتيز، دي كاسادا، بيسارو أوزيفيدو، كارفاخال، ماردجيال الأندزو، عدو الجنس البشري كما كان يحب أن يُدعى ... هي أسماء من الجحيم ستظل إلى الأبد مجاورة لاسم جنكيز خان، كتاب "تدمير الهنود" الذي صار يُعرف باسم القصة السوداء، حكى فيه صاحبه "لاس كاساس"، بعض جرائمهم المرعبة، وقد ترجم إلى مختلف اللغات ..ولكن دون صدى.(7) 
في المبحث الأول يرصد الكاتب الدكتور البكري نشأة أكثر من ثلاثة عشر مستعمرة إنجليزية، وهي اليوم ولايات أمريكية تزدهي بدخلها القومي وما تجود به من حقوق الإنسان، ولا يتذكر أحد على أية أنقاض نشأت تلك المستعمرات، وكم من ملايين الأرواح أُزهقت قبل أن تنشأ تلك الولايات. إن الكاتب يركز على تطور الولايات المتحدة من مجموعة من المستعمرات التي تحولت إلى ولايات، وسرعان ما طالبت بالاستقلال عن البريطانيين، وأن فرنسا كانت أول من ساعد الثوار الأمريكيين على التخلص من الهيمنة البريطانية، فيقول: 
في السادس من فبراير من 1778 اعترفت فرنسا رسميًا باستقلال الولايات المتحدة وعقدت معها تحالفًا تعهدت فيه الدولتان بمتابعة الحرب حتى تصير الدولة الأخرى مستعدة لتوقيع الصلح، وهكذا دخلت فرنسا الحرب بصورة علنية، وبدأت الإمدادات الفرنسية تصل بصورة متتابعة إلى الأمريكيين، كما أبحر الأسطول الفرنسي بتاريخ 13 أبريل 1778 باتجاه الولايات المتحدة الأمريكية   .. ومع نهاية عام 1782 تقدمت بريطانيا بطلب الصلح مع الأمريكيين، ورحبت فرنسا وانتهت المفاوضات بتوقيع معاهدة فرساي في 3 سبتمبر 1783 حيث اعترفت بريطانيا باستقلال الولايات المتحدة الأمريكية وتنازل بريطانيا عن الأراضي الواقعة بين جبال الليجاني ونهر المسيسيبي.(8) 
ومن المفارقات التي يذكرها الكاتب في الفصل الثالث المبحث الثاني أنه في ضمن الأسباب القوية لدخول الولايات المتحدة الأمريكية في الحرب العالمية الأولى رغبة شركات تصنيع السلاح التي أصبحت منذ ذلك الحين من المصادر الأساسية للثروة في الولايات المتحدة الأمريكية، والغريب أن هذه الشركات هي نفسها التي تصنع الحروب في عالم اليوم، وهي التي تفرح بحدوث الصدامات المسلحة في أي ركن في العالم، وتحزن حين يتم الصلح ويحدث السلام. فهي شركات مثل الإمبرياليات لا يشغلها إلا تحقيق الربح، ولا يهمها إلا إثارة الفتن إثر الفتن، حتى تظل الحرائق مشتعلة، وسلاسل توريد الأسلحة لا تتوقف، ويورد باحثنا هذه الإحصائية المرعبة في المبحث الثاني: 
بحلول نهاية الحرب عام 1918 أنتجت شركة بيت لحم للصلب 65 ألف رطل من المنتجات العسكرية و70 مليون رطل من الصفائح المدرعة و1,1 مليار رطل من الفولاذ للقذائف و21 مليون طلقة من ذخيرة المدفعية لبريطانيا وفرنسا، استفادت شركة بيت لحم للصلب من سوق الأسلحة المحلية وأنتجت 60 % من الأسلحة الأمريكية و40% من قذائف المدفعية  المستخدمة في الحرب حتى مع التحكم في الأسعار وهامش ربح أقل من السلع المصنعة، فإن الأرباح الناتجة من المبيعات في زمن الحرب وسعت الشركة لتصبح ثالث شركة تصنيع في البلاد: أصبحت شركة بيت لحم ستيل المورد الرئيسي للأسلحة للولايات المتحدة والقوى المتحالفة الأخرى مرة أخرى في عام 1939.(9) 
ثم يستمر الكاتب: 
أدت الحرب العالمية الأولى إلى مقتل تسعة ملايين من البشر وعدد أكبر بكثير من الجرحى والمشوهين، من بينهم 323000 أمريكي، وأما أهم الخسائر المادية فقد وقعت في الأراضي التي دارت فيها المعارك حيث أتلفت المحاصيل الزراعية وقُضي على المواشي ودمرت مئات آلاف من المنازل وآلاف المصانع إضافة إلى الأضرار التي لحقت بالسكك الحديدية وبمناجم الفحم التي غمرها هذا الطرف أو ذاك بالماء لمنع استغلالها من قبل العدو، بينما كانت عائدات "جي – دي – روكا فيلر هي 200 مليون دولار عام 1919 وهو ما يساوي 2,7 بليون دولار عام 2008.(10) 
ويحدثنا الكاتب الدكتور البكري عن الجرائم التي ارتكبتها الولايات المتحدة الأمريكية  في أثناء الحرب العالمية  الثانية، من قصف للمدن الألمانية بالطائرات، وقتل المدنيين الأبرياء وهم في بيوتهم، شاركهم في ذلك البريطانيون، واختتمت الولايات المتحدة جرائمها بإلقاء قنبلتين نوويتين على مدينتين يابانيتين ليقتلوا جميع سكانها في لحظات، في حين لم تكن هناك حاجة إلى استخدام السلاح النووي، فقد وضعت الحرب أوزارها وكانت اليابان على وشك الاستسلام. 
ويخصص الكاتب المبحث الأول من الفصل الرابع لحرب فيتنام. تلك الحرب التي ارتكبت فيها الولايات المتحدة الأمريكية أبشع الجرائم على مدى عشر سنوات، أسفرت عن قتل ما لا يقل عن ثلاثة ملايين فيتنامي شمالي، ولكنها أسفرت أيضًا عن قتل ما لا يقل على مائة ألف جندي أمريكي، وانتهت بجلاء الأمريكيين عن فيتنام بعد هزيمة مهينة كالتي جربتها في أفغانستان منذ سنوات قليلة. والكاتب يركز – محقًا – على أن أغلب حروب الولايات المتحدة الأمريكية ، بما فيها الحرب الفيتنامية، إنما حركتها الرغبة العارمة في كسب المال، واستنزاف الشعوب المغلوبة: 
لم تكن النية الفوز على فيتنام في الحرب، فالهدف كان استمرار الحرب .. فطالما الحرب مستمرة فإن المصانع العسكرية تعمل وتورد إنتاجها لطرفي الصراع، والمصرفيون الأمريكيون يجنون المزيد من الأرباح، فطالما هناك حرب هناك عملاء.(11)  
وفي الفصل السابع يضع الكاتب النقاط على الحروف في فقرة استهلالية مهمة يوجز بها الوسيلة التي تبناها الغرب لإشاعة الإرهاب في منطقة الشرق الأوسط، يقول: 
سعت بريطانيا منذ مطلع القرن الثامن عشر وبالتحديد عام 1710 لاستغلال الدين في السيطرة على منطقة الشرق الأوسط، وبصفة خاصة المنطقة العربية والإسلامية وفي مقدمتها منطقة الخليج العربي من أجل السيطرة على طرق التجارة القادمة من الهند، ثم السيطرة على مصادر الطاقة التي تزخر بها أراضي المنطقة العربية، فعملت على الدفع بعملائها لدراسة العقيدة الإسلامية، ومحاولة إفسادها على أصحابها، من خلال تبني بعض الأفكار المتطرفة، وتمكن أحد عملائها ويُدعى مستر همفر Hempher في السيطرة على محمد بن عبد الوهاب وتجنيده لصالح المخابرات البريطانية وتأسيس الفكر الوهابي والعمل على نشره في بلاد الحجاز للقضاء على الإسلام المعتدل ونشر الفكر المتطرف في أنحاء الأمة الإسلامية، كما استعانت بريطانيا بجمال الدين الأفغاني وتلاميذه محمد رشيد رضيا والإمام محمد عبده لتهيئة الأمة لاستقبال الفكر الإخواني على يد عميلها حسن البنا عقب إسقاط الخلافة الإسلامية بعد الحرب العالمية الأولى.(12) 
فجمال الدين الأفغاني أحد أهم عملاء بريطانيا خلال القرن الـ 19 لما قام به من دور رئيسى في دعم مخطط شركة الهند الشرقية في القضاء على الإسلام في الهند،  فهو إيراني الأصل كما انه شيعي ملحد تم تجنيده لصالح المخابرات البريطانية من خلال ضابط المخابرات البريطانية ألفرد بلنت صاحب كتاب "مستقبل الإسلام"،  كما قامت السلطات العثمانية بالقبض على الأفغاني وسجنه في قضية ازدراء الأديان لإنكاره وجود النبيين والرسل وادعاء أن الكتب السماوية ليست مرسلة من الله وإنما اكتتبها اشخاص يتمتعون بقدر من الذكاء استطاعوا صياغة تلك الكتب بهذا الأسلوب وإقناع اتباعهم بأنها من وحي السماء. أيضًا نجحت بريطانيا في التوسط لدى السلطات العثمانية للإفراج عنه وإرساله الى مصر لممارسة نشاطه في القضاء على دور الازهر الشريف.  كما فرضت بريطانيا على الحكومة المصرية تخصيص راتب شهري له الا أن الشيخ عليش، وهو أحد كبار علماء الازهر الشريف،  قام بطرد الأفغاني من الأزهر لفساد ما ينادى به فقام الأفغاني بالاستقرار في حارة اليهود  واسس ساحة يمارس فيها نشاطه ويلتقى مريديه. (13) 
وتظل الحقيقة الثابتة أن التيارات المتطرفة التي شاعت في الشرق الإسلامي وخاصة جماعة الإخوان المسلمين، صناعة إمبريالية، أو صناعة بريطانية على وجه الخصوص، وحتى اليوم تنطلق جماعة الإخوان المسلمين من بريطانيا بوصفها المقر الثابت لها. ومن ثم نستطيع أن نقول إن الجماعات المتطرفة التي تتخذ من الإرهاب أداة للوصول إلى ما تريده من الحكم، هي صناعة غربية، الغرض منها تشتيت جهود الدول المستقرة، وصدها عن تحقيق أي تنمية حقيقية. وقد يسأل سائل: ومن أين حصلت الدول الغربية على هذه الأداة الناجعة في إشاعة الفوضى في الشعوب النامية، والإجابة سهلة يسيرة: نقول إنهم استمدوهما من تجاربهم هم أنفسهم، تجارب الدول الأوروبية نفسها حين كانت دويلات ممزقة لا شأن لها وأهمية بسبب التطرف الديني، فقد اندلعت الحروب الطاحنة بين الكاثوليك والبروتستانت في العصور الوسطى، وحروب طاحنة أيضًا بين الطوائف المختلفة في داخل البروتستانتية نفسها، فنحن نقرأ في التاريخ عن الحروب التي لم تكن تهدأ بين إنجلترا البروتستانتية وفرنسا الكاثوليكية، وبين إسبانيا وإنجلترا بسبب الدين أيضًا. وطوال العصور الوسطى كانت الممالك الأوروبية منقسمة على نفسها، فكانت كل مدينة دولة فيما يعرف بالدول المدن. 
وحسنًا فعل الدكتور البكري عندما خصص المبحث الثالث من الفصل السابع لتحليل هجمات الحادي عشر من سبتمبر الإرهابية، وأظهر بالدليل أنها صناعة أمريكية إسرائيلية، من تخطيط المخابرات الأمريكية. فهناك من يشك في أن الطائرات وحدها يمكن أن تتسبب في تحطيم البرجين، ويعتقد أكثر المحللين أن عوامل مساعدة أدت إلى سقوط البرجين، ويفترض بعضهم أن أسفل البرجين كان محاطًا بالديناميت الذي تم تفجيره من بعد. ويقول الكاتب ما هو مدهش: 
ومن المثير للدهشة والعجب أن استوديوهات هوليود كانت على علم مسبق بموعد الكارثة ومراحلها وأبعادها، ولديها التصورات الكاملة لأدق تفاصيلها قبل وقوعها بأعوام فجسدت الكارثة سينمائيًا بسلسلة طويلة من الأفلام المتعاقبة، والتي تحمل رسالة صريحة توحي للمشاهد بالمصير المحتوم للأبراج وما ستتعرض له من قصف وتدمير بطائرات من الجو.(14) 
ومعروف أن وسائل الإعلام تلعب دورًا مهمًا للغاية في صناعة الإرهاب: "وقد ذهب كثيرون من علماء الاجتماع وحلقات التفكير الاستراتيجي إلى القول إن "الإرهاب ليس شيئًا يُذكر من دون وسائل إعلام"، وهذه الأطروحة أطلقها أول مرة الفيلسوف وعالم الاجتماع الفرنسي جان بودريارد في مطلع العام 2002، أي بعد أشهر قليلة من الحادث الأمريكي، فوسائل الإعلام في رأي بودريارد جزء لا يتجزأ من الحدث ومن الرعب، وقد تؤدي دورها في هذا الاتجاه أو ذاك، وبالتالي فإن الفعل القمعي يسلك المسار غير المرتقب نفسه الذي يسلكه الفعل الإرهابي، ولا أحد يعلم عند أي حد سيتوقف، والانقلابات التي ستليه. ما من تمييز ممكن، على مستوى الصور والإعلام، بين المشهدي والرمزي، ما من تمييز ممكن بين "الجريمة" والقمع.(15) 
لقد أصبح الإرهاب الأمريكي بعد الحادي عشر من سبتمبر هاجسًا يؤرق الجميع، يؤرق العالم، كما يؤرق الأمريكيين أنفسهم، فقد تحولت الدولة الأمريكية إلى دولة بوليسية أو شبه بوليسية، وأصبح الكل يكتب البلاغات في الكل، ونشطت مكاتب التحقيقات نشاطًا عجيبًا، وأصبح المسلمون في الولايات المتحدة الأمريكية   أول المتهمين بالإرهاب، وبعدهم الأفارقة والآسيويين المسلمين وغير المسلمين. 
وحسنًا فعل المؤلف حين عقد الفصل الأخير للحديث عن ما يُعرف بتنظيم داعش ودور الولايات المتحدة والصهيونية العالمية في إنشائه، فكما أسست الحكومة البريطانية تنظيم الإخوان في العقد الثاني من القرن العشرين، أسست الإدارة الأمريكية داعش في العقد الثاني من القرن الواحد والعشرين. يقول المؤلف في المبحث الأول من الفصل الأخير: 
قامت المخابرات الأمريكية من خلال بعض العناصر المرتزقة بالجيش الأمريكي والتنسيق مع بقايا تنظيم أبو مصعب الزرقاوي في العراق بالإعلان عن ظهور تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام (داعش) وبدء تواجد عناصره في سوريا والعراق، وهناك العديد من الشواهد التي تؤكد اضطلاع الولايات المتحدة الأمريكية بتأسيس تنظيم داعش. ويوجد العديد من مقاطع الفيديو التي تحتوي اعترافات للرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما والبيت الأبيض بتدريب تنظيم داعش وتسليحه لنشر الفوضى في المنطقة وإسقاط الأنظمة العربية المعادية للإدارة الأمريكية.(16) 
وفي تقرير جريدة البيان التي يصدرها المنتدى الإسلامي يكتب محمد جمال نقلاً عن الباحث الأمريكي "ميكا زنكو" الباحث في مجال السياسة الخارجية والأمن القومي بـ "مجلس العلاقات الخارجية الأمريكي" في رصد عدد القنابل التي أسقطها أوباما على دول عربية وإسلامية بين عامي 2015 و 2016 فقط: 
نبدأ من آخر دراسة للباحث الأمريكي حول عدد القنابل التي أسقطها أوباما على العالم الإسلامي في آخر عام له بالرئاسة، وفيها كشف "زنكو" في تقرير نشره موقع "مجلس العلاقات الخارجية" في 5 يناير 2017م أن الرئيس الأمريكي باراك أوباما أسقط أكثر من 26 ألف قنبلة عام 2016 على 7 دول إسلامية هي: باكستان واليمن والصومات وليبيا والعراق وسوريا وأفغانستان .. كان نصيب سوريا والعراق هو الأكبر من هذه القنابل بحسب الدراسة التي أعدها "ميكا زنكو" و "جينفر ويلسون" حيث ألقت الطائرات الأمريكية 12192 قنبلة على سوريا بدعاوى ضرب تنظيم داعش، طالت آلاف الأبرياء، و12085 قنبلة على العراق.(17) 
ويعزز كاتبنا الدكتور أحمد البكري ذلك في المبحث الثاني من الفصل الثاني عشر والأخير بإحصائيات لأحداث إرهابية ارتكبتها الولايات المتحدة في أنحاء كثيرة من العالم. منها على سبيل المثال وليس الحصر: أن القوات الأمريكية دمرت أكثر من ثمانية آلاف منزل سكني فوق رؤوس السكان، وأكثر من مائة وثلاثين محطة كهرباء رئيسية وفرعية، إضافة إلى مدارس الأطفال والمستشفيات التي قصفتها القوات الأمريكية بقذائف اليورانيوم.(18)  
والحق أن استخدام الولايات المتحدة للإرهاب منذ الحرب العالمية الثانية لا يحتاج إلى شواهد كثيرة؛ لأن التاريخ حافل بتلك الشواهد على تبني الولايات المتحدة للإرهاب وسيلة لفرض السيطرة وصناعة الإمبراطورية.  فمنذ بدأت الولايات المتحدة خروجها من العزلة التي فرضتها على نفسها في القرن الثامن عشر وبدايات القرن التاسع عشر، وهي تسعى إلى فرض هيمنتها بالإرهاب. وقد كانت ترتدي في سبيل ذلك مسوح الرهبان تارة، والتبشير البرئ بالبروتستانتية الأمريكية تارة أخرى. يشهد على ذلك الكتاب الذي قمنا بنقله إلى العربية بعنوان: "مصالح مقدسة: الولايات المتحدة الأمريكية والعالم الإسلامي من 1820 إلى 1920"، وأصدره المركز القومي للترجمة في العام 2023، وفيه فصول تتحدث فيها المؤلفة "كارين ف.  والتر" عن الإرهاب الذي مارسته الولايات المتحدة على الشعوب التي وقعت تحت هيمنتها في القرن التاسع عشر، مثل الفلبين وكوبا والمكسيك ودول الكاريبي. وحين سيطر الأمريكيون على شعب المورو المسلم في الفلبين مارسوا إرهابهم على هذا الشعب كأشد ما يكون الإرهاب غلظة.(19) 
ويخلص كاتب "الإرهاب الأمريكي" إلى نتيجة وتوصية في نفس الوقت، أما النتيجة فمقتضاها أن الولايات المتحدة عملت على تسخير الإعلام في بناء وتضخيم إمكانياتها العسكرية والاقتصادية في نفوس الآخرين ... وقد نجح الإعلام الأمريكي في بث روح الإحباط والانهزامية في نفوس المجتمع من خلال ترويجه للقدرات غير المحدودة لالولايات المتحدة الأمريكية  .. ومن هنا ينصح كاتبنا الشباب بالتخلي عن حالة اليأس والانهزام.(20)  
إن كتاب "الإرهاب الأمريكي" لمؤلفه الدكتور أحمد البكري، كتاب مهم يستحق القراءة والعرض على القراء، ويستحق أن يُتلى بجزء آخر إن أمكن، فالإرهاب الأمريكي ما يزال مبحثًا بكرًا يحتمل المزيد من الكتب والأبحاث، خاصة وأن الولايات المتحدة الأمريكية تمارس الإرهاب في الوقت الراهن للحفاظ على بقائها بوصفها كيانًا مهيمنًا على كثير من بقاع العالم بحكم القوة التي لم ير العالم الحديث والقديم مثلها في امتلاك الإسلحة المتقدمة، والتكنولوجيا المعقدة التي استطاعت بها الولايات المتحدة الهيمنة على البر والبحر والجو أيضًا. ولكن العالم كما قلنا أصبح يموج باحتمالات ظهور قوة أخرى تتحدى الولايات المتحدة، وربما قوى أخرى، مثل الصين وروسيا، وربما قوى أخرى قادمة في الطريق. ومن هنا تريد الولايات المتحدة أن تحافظ على بقائها على القمة. وسوف تمارس الولايات المتحدة في سبيل ذلك كل ما لديها من إمكانات القوة، ولن ترع في ذلك إنسانية ولا قيمًا ولا أخلاقًا، وهنا يصبح فهم الإرهاب الإمريكي فرضًا على المهمومين بقضايا أممهم، ومستقبلها.

 


خاتمة 
سعينا في هذا المقال إلى أن نعرض لكتاب مهم من تأليف الباحث الدكتور اللواء أحمد البكري بعنوان الإرهاب الأمريكي، الصادر عن دار سما للنشر، 2024. وهو كتاب مهم، وتأتي أهميته لا من الموضوع نفسه، فالإرهاب الأمريكي معروف للجميع، ولكن لأن الكتاب يحفل بالمعلومات الموثقة، والمعرفة الثرة، والتحليل المتعمق، وهذا العرض بمنزلة التشجيع للقارئ للعودة إلى الكتاب لقراءته كله، وليس الاكتفاء بملخص عنه مهما كانت دقته. والمطلع على صفحة المراجع يلمس مدى ما بذله الباحث من جهد لا يليق إلا بالزهاد الصابرين، فهذا الكم الكبير من المراجع العربية والإنجليزية يدل على أن الباحث عاشق للبحث، مهموم بقضايا أمته ومستقبلها، وقادر على التحليل والتفسير. ويحفل الكتاب بالصور التي يوثق بها الباحث ما ذهب إليه في كتابه، ورغم أن الكتاب يقع فيما يزيد على الثلاثمائة صفحة فإن القارئ لا يمل من القراءة. وقد استطاع الباحث حقًا أن يحيط بظاهرة الإرهاب الأمريكي من جميع جوانبها، التاريخية والاجتماعية والاقتصادية وحتى النفسية. واستطاع كذلك أن يتتبع الظاهرة بدءًا من نشأة الولايات المتحدة الأمريكية وتطورها إلى يوم الناس هذا. فأُتيح له الوقوف على الكثير من أسبابها، وطبيعتها، وذلك في اثنتي عشر فصلاً تحتوي على الكثير من المباحث. ولم ينس الكاتب أن يخصص الفصل الأخير لجهود الولايات المتحدة في استخدام الدين لتحقيق مصالحها العليا، فقد ورثت الولايات المتحدة عن البريطانيين هذه الطريقة في استغلال الدين منذ القرن التاسع عشر، ولكن الولايات المتحدة كانت أكثر وضوحًا وخشونة في استغلال الدين لتحقيق مآربها الاستعمارية كما بين الباحث في الفصل الأخير من كتابه.

 

تم نسخ الرابط