عاجل

سنة أم بدعة.. ما معنى القنوت في صلاة الفجر وحكمه وكيفيته؟

الفجر
الفجر

القنوت في فريضة الفجر وغيرها من الفرائض مشروع عند النوازل باتفاق العلماء؛ وذلك من نحو ما تمر به الأمة في هذه الأيام، أما مطلق القنوت فيها، فهو من الأمور الخلافية، والمختار للفتوى أنه سنة مستحبة في كل فجر وجدت نازلة أو لا، ومع ذلك فينبغي أن يترك الناس وما اعتادوا وألفوا، ما دام الأمر واسعًا، فـ”لا يُنكر المختلف فيه، وإنما يُنكر المجمع عليه”، ولا ينبغي أن تكون مثل هذه الفروع الخلافية بابًا لنشر الفتن والفرقة فيما بين المسلمين.

بيان معنى القنوت


القنوت في اللغة يُطلق على معان متعددة منها: الطاعة، والسكون، والقيام في الصلاة، والإمساك عن الكلام، وأشهرها الدعاء؛ فقد جاء في تهذيب اللغة لأبي منصور الأزهري: المشهور في اللغة أن القنوت الدعاء، روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قنت شهرًا في صلاة الصبح بعد الركوع يدعو على رعل وذكوان، ينظر القاموس المحيط للفيروزآبادي.
أما القنوت في الاصطلاح: فهو اسم للدعاء في الصلاة في محل مخصوص من القيام، يُنظر الفتوحات الربانية شرح الأذكار النووية لابن علان الصديقي.

حكم القنوت في الصلاة عند حلول النوازل


اتفق العلماء على مشروعية القنوت في صلاة الفجر وغيرها من الصلوات عند حلول النوازل وحصول الشدائد، واستدلوا على ذلك بما جاء عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: “قنت رسول الله صلى الله عليه وسلم شهرًا حين قُتل القراء، فما رأيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حزن حزنًا قط أشد منه” أخرجه الإمام البخاري.
وأيضًا بما جاء عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: “قنت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم شهرًا متتابعًا في الظهر والعصر والمغرب والعشاء والصبح، في دبر كل صلاة؛ إذا قال: سمع الله لمن حمده من الركعة الأخيرة، يدعو عليهم، على حي من بني سليم، على رعل وذكوان وعصية، ويؤمِّن من خلفه، أرسل إليهم يدعوهم إلى الإسلام، فقتلوهم” أخرجه أبو داود، وأحمد، وابن خزيمة في صحيحه، والحاكم في المستدرك وقال: هذا حديث صحيح على شرط البخاري ولم يخرجاه.
قال الملا علي القاري الحنفي في مرقاة المفاتيح: أطبق علماؤنا على جواز القنوت عند النازلة.
وقال الإمام بدر الدين العيني الحنفي في البناية شرح الهداية: إن نزل بالمسلمين نازلة قنت الإمام في صلاة الجهر، وبه قال الأكثرون وأحمد. وقال الطحاوي: إنما لا يقنت عندنا في صلاة الفجر من غير بلية، فإن وقعت فتنة أو بلية فلا بأس به، فعله رسول الله عليه الصلاة والسلام.
وقال القاضي عياض المالكي في إكمال المعلم: اختلف العلماء في القنوت في صلاة الفجر وفي الوتر في رمضان وغيره، وما عدا ذلك، فلم يعملوا به إلا أن تنزل نازلة؛ كما نزلت بأصحاب بئر معونة، أو يحتاج إلى الدعاء في أمر مهم؛ فقد أرخص بعضهم أن يقنتوا في سائر الصلوات ويدعوا في ذلك.
وقال الإمام النووي في منهاج الطالبين: ويشرع القنوت في سائر المكتوبات للنازلة لا مطلقًا على المشهور.
وقال الإمام ابن قدامة الحنبلي في المغني: فإن نزل بالمسلمين نازلة فللإمام أن يقنت في صلاة الصبح، نص عليه أحمد، قال الأثرم: سمعت أبا عبد الله سئل عن القنوت في الفجر، فقال: إذا نزل بالمسلمين نازلة، قنت الإمام وأمَّن من خلفه.
وقال الشيخ ابن تيمية الحنبلي في مجموع الفتاوى: القنوت مسنون عند النوازل، وهو قول فقهاء أهل الحديث، وهو المأثور عن الخلفاء الراشدين رضي الله عنهم.

حكم القنوت في صلاة الفجر


القنوت في صلاة الصبح اختلف فيه العلماء، والمختار للفتوى أنه سنة نبوية ماضية مندوب إليها شرعًا، وبهذا قال أكثر السلف من الصحابة والتابعين ومن بعدهم من علماء الأمصار، وهو مذهب المالكية والشافعية.
قال الإمام الحافظ أبو بكر الحازمي في كتابه الاعتبار في بيان الناسخ والمنسوخ من الآثار: وقد اختلف الناس في القنوت في صلاة الصبح، فذهب أكثر الناس من الصحابة والتابعين فمن بعدهم من علماء الأمصار إلى إثبات القنوت… ومن الأئمة والفقهاء: أبو إسحاق، وأبو بكر بن محمد، والحكم بن عتيبة، وحماد، ومالك بن أنس، وأهل الحجاز، والأوزاعي، وأكثر أهل الشام، والشافعي وأصحابه، وعن الثوري روايتان، وغير هؤلاء خلق كثير.
وخالفهم في ذلك نفر من أهل العلم ومنعوا من شرعية القنوت في الصبح، وزعم نفر منهم أنه كان مشروعًا ثم نسخ، وتمسكوا في ذلك بأحاديث توهم النسخ.
وقال الشيخ الدردير المالكي في الشرح الكبير بحاشية الدسوقي: وندب قنوت أي دعاء سرًّا بصبح فقط.
وقال العلامة الدسوقي محشيًا عليه: قوله وندب قنوت ما ذكره المصنف من كونه مستحبًا هو المشهور، وقال سحنون: إنه سنة، وقال يحيى بن عمر: إنه غير مشروع، وقال ابن زياد: من تركه فسدت صلاته وهو يدل على وجوبه عنده. قوله أي دعاء أشار بهذا إلى أن المراد بالقنوت هنا الدعاء؛ لأنه يطلق في اللغة على أمور منها الطاعة والعبادة.
وقال الإمام النووي الشافعي في منهاج الطالبين: ويسن القنوت في اعتدال ثانية الصبح.
وقد جاء هذا عن جمع من الصحابة؛ فقال به أبو بكر الصديق وعمر بن الخطاب وعثمان وابن عباس والبراء بن عازب رضي الله عنهم، وقال به خلق من التابعين.
أخرج البيهقي عن العوام بن حمزة قال: سألت أبا عثمان عن القنوت في الصبح. قال: بعد الركوع. قلت: عمن؟ قال: عن أبي بكر وعمر وعثمان رضي الله عنهم. وأخرج أيضًا عن أبي رجاء قال: صلى ابن عباس صلاة الصبح في هذا المسجد فقنت وقرأ هذه الآية: {وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ}. وأيضًا عن عبيد بن البراء عن البراء أنه قنت في الفجر.
والدليل على ذلك ما جاء عن أنس بن مالك رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قنت شهرًا يدعو عليهم -أي على قاتلي القراء- ثم ترك، فأما في الصبح فلم يزل يقنت حتى فارق الدنيا. أخرجه أحمد، وعبد الرزاق، ومن طريقه الدارقطني، والبيهقي، والحاكم في الأربعين، والحديث صحيح، وإسناده رجاله موثقون. ينظر مجمع الزوائد للهيثمي، والمجموع للنووي.

تم نسخ الرابط