تحالف غربي مرتقب لمواجهة تشديد الصين على صادرات المعادن النادرة

تجددت حدة "حرب المعادن" بين الشرق والغرب، حيث دفعت الضوابط المشددة التي فرضتها الصين مؤخراً على تصدير المعادن الأرضية النادرة، الاتحاد الأوروبي إلى الدعوة لتشكيل تحالف غربي عاجل، أثارت الخطوات الصينية، التي وسّعت نطاق القيود لتشمل عناصر جديدة وتقنيات تكرير وتدقيق إضافي لمستخدمي المعادن الأرضية، قلقاً بالغاً في الأوساط الغربية، بوصفها محاولة لتعزيز الهيمنة الصينية على سلاسل التوريد العالمية.
أوروبا تدعو إلى تحالف ضد بكين
صرّح وزراء تجارة ومسؤولون من الاتحاد الأوروبي، بأن الاتحاد يسعى إلى تنسيق مواقفه مع الولايات المتحدة وشركاء آخرين في "مجموعة السبع" للرد على التصعيد الصيني، ووصف مفوض التجارة الأوروبي ماروس سيفكوفيتش، هذه الإجراءات بأنها غير مبررة، مشيراً إلى أن وزراء الاتحاد الأوروبي المجتمعين في الدنمارك اعتبروها "مصدر قلق بالغ"، وأكد سيفكوفيتش أن وزراء مالية "مجموعة السبع" سيناقشون الخيارات المتاحة، وأن مكالمة فيديو عاجلة للمجموعة قيد الترتيب، في إشارة إلى جدية الموقف الغربي.
"رد موحد وصارم"
من جانبه، دعا وزير الخارجية الدنماركي، لارس راسموسن، إلى "رد موحد وصارم" من الاتحاد الأوروبي، مشدداً على ضرورة "إظهار قوته بصفته أكبر كتلة تجارية في العالم"، لكنه أكد أيضاً على الحاجة إلى الواقعية والتعاون مع الولايات المتحدة، قائلاً: "إذا تكاتفنا، فيمكننا الضغط على الصين بشكل أفضل للتصرف بطريقة عادلة".
وقد أيد سيفكوفيتش التنسيق مع شركاء "مجموعة السبع"، مشيراً إلى أن الرد يمكن أن يتخذ شكل السعي لتنويع مصادر الإمداد، وتطوير مشاريع مشتركة لاستخراج أو معالجة المعادن الأساسية، لتسريع تقليل الاعتماد على بكين.
الصين تهيمن على "نفط" التكنولوجيا الحديثة
تشكل المعادن النادرة عنصراً جوهرياً في تطور التكنولوجيا الحديثة، إذ تدخل في تصنيع كل شيء بدءاً من الهواتف الذكية والسيارات الكهربائية والتوربينات الهوائية، وصولاً إلى الأنظمة الدفاعية المتقدمة مثل أجهزة الاستشعار والرادارات.
وتعدّ الصين أكبر منتج للمعادن الأرضية النادرة في العالم، وتتمتع بسيطرة تقارب 70% على أنشطة تعدينها، ونحو 90% من عمليات الفصل والمعالجة، و93% من إنتاج المغناطيسات عالية الجودة، استراتيجية بكين ترتكز على استخراج المعادن بكفاءة وتطوير الأدوات اللازمة، بالإضافة إلى توسيع شراكاتها مع الدول الغنية بهذه المعادن في أفريقيا وآسيا لتعزيز نفوذها الاقتصادي والسياسي.
واشنطن تلوح بالرسوم الجمركية وتسعى للتحالفات
أعلن الرئيس الأميركي دونالد ترامب في وقت سابق، عن تصعيد فوري، مهدداً بفرض رسوم جمركية إضافية بنسبة 100% على جميع الواردات الصينية، واصفاً تصرف الصين بأنه خطوة عدائية، هذا التهديد أثار موجة بيع في الأسواق الأميركية، حيث انخفضت مؤشرات داو جونز وS&P 500 وناسداك بشكل ملحوظ، كما شهدت العملة الرقمية بيتكوين تراجعًا حادًا.
في المقابل، ترتكز استراتيجية الولايات المتحدة، بعيدًا عن الرسوم، على ثلاث نقاط رئيسة، هي: تنويع المصادر وتأمين بدائل عن الصين، وبناء تحالفات جديدة مع دول أخرى مثل أستراليا وكندا لتعزيز أمن سلاسل التوريد، وزيادة الإنفاق على البحث العلمي لإيجاد بدائل لتلك المعادن النادرة، ومع ذلك، تواجه واشنطن نقصاً ملموساً في الخبرات التقنية والبنية التحتية اللازمة لمنافسة بكين، إذ تتطلب عمليات الفصل والتكرير وصناعة المغناطيسات استثمارات مالية ضخمة ومدة زمنية طويلة لإعادة تأسيس هذه القدرات من جديد.
إن التصعيد الصيني ورد الفعل الغربي المتسارع يؤكدان أن الصراع على المعادن النادرة لم يعد مجرد مسألة اقتصادية أو تقنية، بل تحول إلى محور رئيسي للحوارات السياسية، ويمثل انطلاقة لحقبة جديدة من الانفصال الاقتصادي التكنولوجي بين القوى العظمى، حيث يحدد من يتحكم بهذه المعادن مستقبل النظام الدولي.