خط دوراند.. صراع تاريخي بين باكستان وأفغانستان

شهدت المنطقة الحدودية بين باكستان وأفغانستان، المعروفة بـ"خط دوراند" والبالغ طولها نحو 2640 كيلومترًا، موجة من التصعيد العسكري الخطير بين 11 و12 أكتوبر 2025، في واحدة من أكثر جولات التوتر حدة منذ سنوات.
جاء هذا التصعيد عقب غارة جوية باكستانية مثيرة للجدل في العاصمة كابول بتاريخ 9 أكتوبر، استهدفت قائد حركة طالبان باكستان نور والي محسود، وأسفرت، عن مقتل ما لا يقل عن 15 مدنيًا في سوق مكتظة، ما أثار موجة غضب ورد فعل عسكري مضاد من جانب طالبان الأفغانية.

تصعيد متبادل ومواجهات عبر الحدود
وتمثل الرد الأفغاني في قصف مدفعي مكثف، وطلعات مسيّرة، وعمليات توغل عبر حدود ولايتي كونار وباكتيكا، مما ألحق أضرارًا كبيرة بالبنية التحتية العسكرية وشل الحركة التجارية.
كما تم إغلاق معبري تورخام وسبين بولداك، اللذين يربطان بين البلدين ويساهمان في تجارة ثنائية سنوية تقدر بـ2.5 مليار دولار، مما أثر سلبًا على آلاف التجار المحليين وسكان المناطق الحدودية.
ورغم تدخل وسطاء من السعودية وقطر، ونجاحهم في فرض وقف هش لإطلاق النار في 12 أكتوبر، استمرت التوترات، وظلت الحاجة ماسة لتفعيل آليات مراقبة الحدود وتقديم الدعم الإنساني للمتضررين.
روايات متضادة.. كل طرف يتهم الآخر
قدمت الحكومة الباكستانية رواية تقول إن تدخلها العسكري كان دفاعًا مشروعًا عن أراضيها ضد ما وصفته بهجمات غير مبررة من طالبان على أكثر من 20 نقطة تفتيش حدودية، مؤكدة أنها تمكنت من تحييد أكثر من 200 مسلح وتدمير 21 موقعًا ومنشأة تدريب.
كما أعلنت عن مقتل 23 من جنودها وإصابة 29 آخرين، مشيرة إلى أنها استندت إلى المادة 51 من ميثاق الأمم المتحدة لتبرير عملياتها العسكرية عبر الحدود.
في المقابل، اعتبرت طالبان الأفغانية أن ما حدث كان ردًا مبررًا على غارة كابول، ووصفت عملياتها بالدفاع عن السيادة الوطنية في مواجهة "عدوان إمبريالي"، مؤكدة مقتل 58 جنديًا باكستانيًا مقابل تسعة من صفوفها، كما أشارت إلى أن قواتها سيطرت مؤقتًا على بعض المواقع الباكستانية أثناء المواجهات، ما يعكس تعقيد وتشابك المشهد الميداني.

أزمة ممتدة وجذور تاريخية بين باكستان وأفغانستان
لم يكن هذا التصعيد الأول من نوعه، فمنذ العام 2007 تشهد المنطقة الحدودية نمطًا متكررًا من التوترات، يغذيه التداخل القبلي والمذهبي، ومحاولات بناء السياج الحدودي من قبل باكستان، بالإضافة إلى الاتهامات المتبادلة بإيواء ودعم الجماعات المسلحة، خاصة طالبان باكستان و"شبكة حقاني".
وقد أدت هذه المواجهات، على مدى السنوات الماضية، إلى مقتل المئات من المدنيين والعسكريين، وتشريد آلاف الأسر من القرى الحدودية، في ظل غياب حلول أمنية وسياسية دائمة.
تحركات دبلوماسية لتطويق الأزمة
برزت الوساطة السعودية والقطرية كلاعب مؤثر في خفض التصعيد، حيث استخدمت الرياض والدوحة نفوذهما المالي والديني للضغط على الطرفين. كما حذرتا من تداعيات استمرار العنف على موسم الحج وتحويلات المغتربين الخليجيين.
في الوقت ذاته، سجلت الهند دخولًا لافتًا على خط الأزمة، حيث أجرى وزير خارجية طالبان بالإنابة أمير خان متقي، زيارة إلى نيودلهي بين 9 و16 أكتوبر، التقى خلالها وزير الخارجية الهندي في خطوة لفتح آفاق تعاون جديدة بعيدًا عن النفوذ الباكستاني.
وتم الاتفاق على رفع مستوى التمثيل الدبلوماسي الهندي في كابول، وتفعيل حزم مساعدات إنسانية بقيمة 500 مليون دولار، بالإضافة إلى استكشاف فرص استثمار تصل إلى ثلاثة مليارات دولار عبر ميناء تشابهار الإيراني لتجاوز الطرق التجارية التي تمر عبر باكستان.
سيناريوهات مفتوحة ومخاوف من التصعيد
مع استمرار تبادل الاتهامات، وتزايد التوترات على طول خط دوراند، تبدو احتمالات التصعيد واردة في أي لحظة، خصوصًا في ظل التداخل بين الملفين الأمني والسيادي، وضغوط طالبان الداخلية لإثبات قدرتها على ضبط تحركات الجماعات المسلحة على أراضيها.
ويرى مراقبون أن الطريق إلى استقرار دائم في تلك المنطقة يمر عبر حوار ثنائي شامل يتضمن ترتيبات أمنية جديدة، وآليات مراقبة محايدة، إلى جانب دعم إقليمي ودولي لضمان عدم انفجار الوضع إلى مواجهة شاملة.