ما حكم قطع صلة الرحم مع الأب بطلب منه؟ .. الأزهر للفتوى يجيب

ورد سؤال لمركز الأزهر العالمي للفتوى الإلكترونية يقول: أبي لا يريد صلتي له، هل أعد قاطعًا للرحم إن قاطعته ونفذت رغبته؟
وقال الأزهر للفتوى إن الله تعالى أمر ببر الوالدين وطاعتهما والإحسان إليهما فقال سبحانه: {وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا}. [الإسراء: 23]
كما حذر سبحانه من عقوق الوالدين، وجعله ذنبًا من كبائر الذنوب، فقال سيدنا رسول الله ﷺ: «أَلاَ أُنَبِّئُكُمْ بِأَكْبَرِ الكَبَائِرِ؟» وذكر منها: «َعُقُوقُ الوَالِدَيْنِ». [أخرجه البخاري]
أما قول السائل: (أبي لا يريد صلتي ..)، فعليه أن يبحث عن أسباب جفاء أبيه له، وإعراضه عنه، وأن يجتهد في إرضائه، وكسب وده، وتجنب مواطن غضبه، وليعلم أنه من المجاهدين في سبيل الله سبحانه؛ فقد جَاءَ رَجُلٌ إلى النبيِّ ﷺ، فَاسْتَأْذَنَهُ في الجِهَادِ، فَقَالَ: «أحَيٌّ والِدَاكَ؟» قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: «فَفِيهِما فَجَاهِدْ». [أخرجه البخاري]
وشدد على ذلك: فإنا ننصح السائل أن يستمر في بر والده وحسن صحبته، وإن تطلب منه ذلك بعض الوقت والجهد؛ ولا حرج عليه بعد ذلك، ما دام يبذل الأسباب؛ رجاء أن يجازيه الله في الدنيا ببر أولاده له، وأن يرزقه جنته في الآخرة.
معنى حديث: «لا يدخل الجنةَ قاطع رحم»
جاء في الحديث الشريف: «لا يدخل الجنة قاطع رحم»، حيث حافظ الشارعُ على قرابة الإنسان وصانها عن العقوق والشحناء، فحثّ على صلة الأرحام، لقوله تعالى: ﴿وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ﴾ [النساء: 1].
وقالت الدكتورة صفاء السيد لولو أستاذ الفقه المقارن بجامعة الأزهر: إن الله عزوجل جعل الإسلامَ رسالةً عمليةً وتربويةً تهدف إلى سعادة الإنسان والإنسانية، مضيفة: لقد ربّى الإسلامُ الإنسانَ الفاضل، وأقام الدولةَ الراشدةَ لحراسة العقيدة، وتنمية الوعي الاجتماعي، وإنعاش القوة المحرِّكة للحضارة الإنسانية؛ لتكون كلمةُ الله هي العليا، رائدةً موجِّهةً ضابطةً للسلوك الفردي والاجتماعي، ترقى بالحياة نحو التطوّر والازدهار والتكامل. وعلى هذا المبدأ السامي، وضع الشارعُ الحكيمُ قواعدَ وضوابطَ للحفاظ على سعادة العباد في العاجل والآجل، وفي المعاش والمعاد.
وتابعت: توعّد القاطعَ للرحم بالطرد والإبعاد من رحمته، بل والحرمان من جنته. يقول ربّ العزة –فيما يرويه عن النبي ﷺ–: «أنا الرحمن، خلقتُ الرحم، وشققتُ لها اسماً من اسمي، فمن وصلها وصلته، ومن قطعها قطعته» رواه الترمذي في سننه، وأحمد في مسنده ، والحاكم في المستدرك. وقال ﷺ أيضاً: «لا يدخل الجنةَ قاطعُ رحم» رواه مسلم في صحيحه.
بل وخصّ سبحانه قرابةَ ذوي الأرحام المحارم –ولا سيما الأصول والفروع– بأحكام تختلف عن سائر القرابات، فأوجب على الأبناء برَّ آبائهم والإحسانَ إليهم، وجعل ذلك مقروناً بعبادته وتوحيده. كما حرصت الشريعة الإسلامية على المحافظة على أواصر المحبة والمودة بين الأقارب، بل بين أفراد المجتمع أجمع، حتى يصير المجتمع المسلم كالجسد الواحد، إذا اشتكى منه عضوٌ تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمّى.
حكم صلة القريب إن كان غير مسلم
قال الله سبحانه وتعالى: ﴿وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ﴾ [هود: 118-119].
وكان النبي صلى الله عليه وآله وسلم يأمر بصلة القريب وإن كان غير مسلم؛ فعن أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما، قالت: قدمَتْ عليَّ أمي وهي مشركة في عهد قريش إذ عاهدهم، فاستفتيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فقلت: "يا رسول الله، قدمت علي أمي وهي راغبة، أفأصل أمي؟" قال: «نَعَمْ، صِلِي أُمَّكِ» متفق عليه.
وشددت الإفتاء بناءً على ذلك: فإن الشريعة الإسلامية لا تمنع من صلة رحم القريب غير المسلم، بل حثت على ذلك؛ فإن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أمر بصلة رحم القريب وإن كان غير مسلم.