ما حكم الطواف إذا خرج الدم من المحرم وأصاب ملابس الإحرام؟.. الإفتاء توضح

أكدت دار الإفتاء المصرية خروجُ الدَّمِ من القَدَم أثناء الطواف لا يَنْقُضُ وضوءَكَ، ولا يَقْدَح في طهارة ثوبكَ، ولا يُؤثِّر أيضًا على صحة طوافكَ، فطوافُكَ صحيحٌ، ولا شيء عليك.
حكم اشتراط الطهارة في الطواف
ندب الشرع إلى نظافة البدن والثياب، فعن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم رأى رجلًا وعليه ثياب وسخة، فقال: “أما كان هذا يجد ماءً يغسل به ثوبه؟” رواه أبو داود في السنن، والنسائي في الكبرى، والحاكم في المستدرك، وابن حبان في الصحيح.
والحديث وإن لم يرد في المحرم، إلا أن المحرم داخل في مشمولات الحديث؛ وذلك لأنه يستحب له النظافة في بدنه بالاغتسال؛ إذ هو من مسنونات الإحرام، فكذلك في ثيابه بالأولى. ينظر: بدائع الصنائع لعلاء الدين الكاساني، وتحفة المحتاج لشهاب الدين ابن حجر الهيتمي، وكشاف القناع لأبي السعادات البهوتي.
من أجل ذلك فقد نص جمهور الفقهاء من المالكية، والشافعية، والإمام أحمد في المشهور عنه، وهو قول عند الحنفية أيضًا على اشتراط الطهارة للطواف؛ لما ورد من تشبيه الطواف بالصلاة في حديث النبي صلى الله عليه وآله وسلم: “الطواف بالبيت صلاة إلا أن الله أحل لكم فيه الكلام” أخرجه الحاكم في المستدرك واللفظ له، والبيهقي في السنن.
حكم الطواف إذا خرج الدم من المحرم وأصاب الملابس
جمهور الفقهاء وإن اشترطوا في الطواف الطهارة، إلا أنهم اختلفوا في انتقاض هذه الطهارة إذا خرج الدم من المحرم وحل بثيابه أثناء الطواف، فمذهب المالكية والشافعية أن الدم السائل من غير السبيلين لا ينقض الوضوء، وينبني عليه أيضًا صحة الطواف حال خروجه؛ لأن صحة الطواف مبنية على صحة الوضوء عندهم، وهو أيضًا رواية عند الحنابلة في القليل منه خاصة.
قال الإمام أبو عبد الله الخرشي المالكي في شرح مختصر خليل عند كلامه على نواقض الوضوء: ومما لا ينقض الوضوء… ومنها: حجامة من حاجم ومحتجم، وفصادة، وخروج دم. وهو ما نص عليه أيضًا الإمام شهاب الدين القرافي في الذخيرة.
وقال الإمام محيي الدين النووي الشافعي في روضة الطالبين: ولا ينتقض الوضوء عندنا بخارجٍ من غير السبيلين.
بينما يرى الحنفية والحنابلة أنه ينقض الوضوء، وقيدوا الدم الناقض للوضوء بالكثير منه دون القليل، وحد الكثير عند الحنفية هو الذي يسيل على رأس الجرح، وعند زفر: ينتقض الوضوء بالدم الخارج مطلقًا، أي ولو لم يسل.
قال الإمام علاء الدين الكاساني الحنفي في بدائع الصنائع: وأما بيان ما ينقض الوضوء، فالذي ينقضه الحدث… فالحدث نوعان: حقيقي، وحكمي، أما الحقيقي فقد اختلف فيه، قال أصحابنا الثلاثة: هو خروج النجس من الآدمي الحي، سواء كان من السبيلين الدبر والذكر، أو فرج المرأة، أو من غير السبيلين الجرح، والقرح، والأنف من الدم، والقيح، والرعاف، والقيء… فأما حكم غير السبيلين من الجرح والقرح فإن سال الدم والقيح والصديد عن رأس الجرح والقرح ينتقض الوضوء عندنا… فلو ظهر الدم على رأس الجرح ولم يسل لم يكن حدثًا عند أصحابنا الثلاثة، وعند زفر: يكون حدثًا سال أو لم يسل.
وقال العلامة موفق الدين ابن قدامة الحنبلي في المغني: الخارج من البدن من غير السبيل ينقسم قسمين: طاهرًا ونجسًا، فالطاهر لا ينقض الوضوء على حال ما، والنجس ينقض الوضوء في الجملة… وإنما ينتقض الوضوء بالكثير من ذلك دون اليسير. وقال بعض أصحابنا: فيه رواية أخرى، أن اليسير ينقض. وهذه الرواية ذكرها الشريف ابن أبي موسى كما نص على ذلك علاء الدين المرداوي في الإنصاف.
وعلى ذلك: فإن الدم الخارج من البدن من غير السبيلين لا ينقض الوضوء، على ما ذهب إليه المالكية والشافعية؛ لما رواه أنس بن مالك رضي الله عنه قال: “احتجم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فصلى ولم يتوضأ، ولم يزد على غسل محاجمه” أخرجه الدارقطني في سننه، والبيهقي في السنن الكبرى.
وأيضًا ما رواه جابر بن عبد الله رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان في غزوة ذات الرقاع، فرمي رجل بسهم فنزفه الدم، فركع وسجد ومضى في صلاته. أخرجه البخاري في صحيحه.
ووجه دلالة هذه الأحاديث أن خروج الدم من غير السبيلين لا ينقض الوضوء، فلو كان خروج الدم من غير السبيلين ينقض الطهارة لتوضأ النبي صلى الله عليه وآله وسلم بعد أن احتجم وقبل أن يصلي، ولفسدت صلاة الأنصاري أول ما أصابه الرمي، وما كان له أن يركع ويسجد وهو محدث، كما حققه الإمام الخطابي في معالم السنن.
وأما كون الثوب قد تلطخ بالدم، فإن كان الدم يسيرًا في الجملة، ويعسر الاحتراز منه، فهذا لا يؤثر في طهارة ثوب المحرم، على خلاف بين الفقهاء في مقدار هذا اليسير، حيث يرى الحنفية –عدا زفر– والمالكية أن اليسير هو قدر الدرهم وما دونه، وهو ما يقارب أربعة سنتيمترات تقريبًا، فإن كان أكثر من موضع الدرهم فلا يعفى عنه، كما حققه العلامة فخر الدين الزيلعي في تبيين الحقائق، والعلامة الحطاب المالكي في مواهب الجليل.
بينما يرى الشافعية والحنابلة أن مقدار اليسير يرجع فيه إلى العرف خاصة، وهذا ما نطقت به عبارة الخطيب الشربيني الشافعي في مغني المحتاج، وموفق الدين ابن قدامة الحنبلي في المغني.
والشافعية وإن نصوا على مراعاة العرف في تقدير اليسير من الدم، إلا أنهم فرقوا بين قليل الدماء فيما يعفى عنه وما لا يعفى عنه، فذهبوا إلى أن القليل من دم البراغيث والقمل يعفى عنه لمشقة التحرز منه، أما غير ذلك من الدماء ففيها وجهان: قيل: يعفى عن يسيرها قياسًا على دم البراغيث، وقيل: قليل النجاسة ككثيرها، لا يعفى عن شيء منها قياسًا على البول، وتبعهم في ذلك خاصة زفر من الحنفية.
هذا في حالة كون الدم يسيرًا، فإن كان الدم كثيرًا وهو الذي تجاوز حد اليسير المذكور سابقًا، فيرى الحنفية، والمالكية، والحنابلة أنه لا يعفى عنه، ولا يجوز أداء العبادة معه إلا بالتطهير منه، بينما يرى الشافعية أنه يعفى عن دم الإنسان الكثير شريطة كون الدم من الشخص ذاته، أي لم ينتقل إليه، وعدم كونه من فعله، أي ليس متعديًا بوضعه على بدنه وثوبه، وعدم اختلاطه بأجنبي، وعدم مجاوزة المحل، وعلى هذا جرت عباراتهم في كتبهم الفقهية، كما نص عليه العلامة بدر الدين العيني الحنفي في البناية في كلامه عما يعفى عنه وما لا يعفى عنه من النجاسات، وكذا الشيخ الدردير المالكي في الشرح الكبير، وأيضًا تحقيق العلامة البجيرمي الشافعي في تحفة الحبيب، وهو أيضًا نص العلامة البهوتي الحنبلي في شرح منتهى الإرادات.
المختار للفتوى في هذه المسألة
المختار للفتوى: أن خروج الدم من البدن من غير السبيلين لا ينقض الوضوء، على ما ذهب إليه الحنفية –عدا زفر–، والمالكية، وأحد القولين عند الشافعية، والحنابلة، ولا ينجس الثوب به أيضًا متى كان يسيرًا يعسر الاحتراز منه، فهو حينئذ من المعفو عنه الذي لا يؤثر في صحة الطواف.