مساجد تاريخية | مسجد السلطان الحنفي.. معلم روحي وتاريخي في قلب السيدة زينب

في قلب حي السيدة زينب العريق، وتحديدًا بشارع الحنفي الذي يُعد من أبرز شوارع المنطقة، يقف مسجد السلطان الحنفي شاهدًا على عبق التاريخ وجلال الروحانية.
أُنشئ المسجد سنة 817 هجرية على يد العارف بالله الشيخ شمس الدين أبو محمود محمد الحنفي، الذي بنى المسجد إلى جوار منزله ليكون منارة علم وعبادة على مرّ القرون.
مسجد السلطان الحنفي
الشيخ شمس الدين الحنفي، الملقب بـ"السلطان"، ينحدر من نسل سيدنا أبي بكر الصديق رضي الله عنه، وقد لُقّب بالسلطان لمكانته الرفيعة ومحبة الناس له، إذ كان لا يُرد له طلب، وكان الأهالي يقدمون له الهدايا ويجلّونه إجلالًا كبيرًا. عاش الشيخ شمس الدين الحنفي اثنين وسبعين عامًا، وترك إرثًا علميًّا وروحيًّا خالدًا، جعله من أبرز أولياء مصر وأعلامها الصالحين.
الطراز المعماري
يعد مسجد السلطان الحنفي تحفة معمارية فريدة تتجلى فيها ملامح الفن الإسلامي في أبهى صوره.
يتكوّن المسجد من أربع واجهات رئيسية، أبرزها الواجهة الشمالية والغربية، اللتان تحتويان على أربع دخلات متشابهة تضفي على البناء تناسقًا فنيًّا بديعًا. أما الواجهة الشمالية الشرقية فتضم المدخل الرئيسي المؤدي إلى الطريق والكُتاب، فيما تُعد الواجهة الجنوبية الغربية غير منتظمة التخطيط، وتضم بابًا يؤدي إلى الردهة الداخلية للمسجد. وتطل الواجهة الرابعة، وهي الجنوبية الشرقية، على حارة الميضأة، وبها أربع دخلات رأسية غير منتظمة التصميم.
أما المئذنة، فهي من أبرز معالم المسجد، إذ تقوم على قاعدة مربعة ضخمة تعلوها ثلاث دورات متتالية؛ الأولى مثمّنة الشكل تحيط بها شرفة، والثانية مثمّنة أيضًا ولكنها محاطة بشرفة مربعة، بينما تأتي الثالثة أصغر حجمًا وتنتهي بأربعة رؤوس مضلعة ضخمة تعلوها قباب أسطوانية، مما يمنح المئذنة طابعًا جماليًّا فريدًا يميزها عن غيرها من مآذن القاهرة التاريخية.
ويتسم المنبر الخشبي بزخارف هندسية دقيقة الصنع، ويضم بابًا وسلّمًا وجلسة للخطيب تعلوها قبة صغيرة تتوَّجها هلالية نحاسية، وقد نُقش عليه اسم المنشئ الخديوي عباس حلمي الثاني، في دلالة على اهتمام الدولة العثمانية بعمارة المساجد ورعايتها للتراث الديني.
الشيخ شمس الدين الحنفي سلطان العارفين ووارث أسرار الشاذلية
وُلد الشيخ السلطان أبو عبد الله محمد بن الحسن بن علي الشاذلي الحنفي رضي الله عنه في بيئة علمية وروحية، وتنبأ له العلماء منذ صغره بمكانة عالية بين الأنام، وقد صدقت بشارتهم، إذ أصبح من أجلّ مشايخ مصر وسادات العارفين، عُرف بكراماته الباهرة وأحواله الرفيعة ومقاماته السنية.
تلقّى علومه وتربيته الروحية على يد شيخه ومربيه مولانا ناصر الدين بن الميلق، الذي تلقّى السلوك عن جده مولانا شهاب الدين بن الميلق أبي العباس الواعظ المذكر المربي، أحد كبار رجال التصوف، المدفون في قرافة الشاذلية الكبرى. ويتصل سنده الروحي عبر مولانا ياقوت العرشي إلى مولانا أبي العباس المرسي، ثم إلى القطب الكبير أبي الحسن الشاذلي رضي الله عنهم جميعًا.
و بلغ الشيخ شمس الدين الحنفي مقامات العارفين وأسرار المحبين، فكان صاحب فتحٍ روحيٍّ مؤنق، وكشفٍ باطنيٍّ مدهش، وعلوٍّ في معارج المعرفة والحقائق، حتى صار علمًا من أعلام الصوفية في مصر، ومزارًا يقصده الزائرون من كل مكان طلبًا للبركة ونور السلوك.