ما حكم ترك المحاضرات لأداء الصلاة في أول الوقت؟.. الإفتاء توضح

ما حكم ترك المحاضرات لأداء الصلاة في أول الوقت؟سؤال يشغل بال كثير من الطلاب ممن يحرصون على أداء الصلاة في وقتها وفي هذا السياق أكدت دار الإفتاء المصرية أن مثل هذه المسائل التنظيمية في المحاضرات العلمية يُرجَع فيها إلى الأستاذ المحاضر وجهة الإدارة التي تقوم على العملية التعليمية تنظيمًا وإشرافًا؛ فإن كان الأمرُ يَتَحَمَّلُ أداءَ الصلاة أولَ الوقت مِن غير شتات في المحاضرة ولا اختلال في التحصيل العلمي وسمح بذلك الأستاذ المحاضر فهو خير وأَوْلَى، أما إذا كان الأمر يقتضي الاستمرار في المحاضرة على ما يراه المعلم المحاضر فالتزام الحضور وتأخير الصلاة عن أول وقتها هو ما تدل عليه الأدلة والقواعد الشرعية والمصالح المرعية.
الرد على بعض الشبهات
أما الآيات والأحاديث التي يحتج بها من يريد فرض رأيه في ذلك فهي؛ إما احتجاج غير صحيح أو احتجاج في غير موضعه؛ فالآية الكريمة وهي قوله تعالى: إن الصلاة كانت على المؤمنين كتابًا موقوتًا معناها: أن الله تعالى فرض لكل صلاة وقتًا وقَّته لها يجب أن تقام في أي جزء من أجزائه، لا أنه يجب أن تقام الصلاة في أول الوقت.
وأما الاستدلال بحديث ابن مسعود رضي الله عنه أن رجلًا سأل النبي صلى الله عليه وآله وسلم أي الأعمال أفضل؟ قال: «الصلاة لوقتها، وبر الوالدين، ثم الجهاد في سبيل الله»: فلا يدل على وجوب الصلاة أول الوقت من قريب ولا بعيد؛ فإن التعبير بـ«أفضل» يدل على أن لكلا العملين فضلًا، ويزيد أحدهما على الآخر فيه.
وأما حديث السيدة عائشة رضي الله عنها قالت: «كان يكون في مهنة أهله تعني خدمة أهله فإذا حضرت الصلاة خرج إلى الصلاة» لا يدل على شيء أكثر من اهتمامه صلى الله عليه وآله وسلم بأمر الصلاة وتعظيمه لها وحرصه عليها، لا أنه كان يوجبها أول الوقت بل مر ما يدل على خلافه كما مر في قصة إصلاحه بين بني عوف وفي قصة تأخير الصلاة في غزوة الخندق.
كما أنه لا يعرف أن الشرع استحب الصلاة أول الوقت في أوقات الحروب كما جاء في اعتراض بعض الطلاب، بل ما حدث في غزوة الخندق من تأخير الصلاة يدل على خلاف ذلك، ومشروعية صلاة الخوف في الحروب لا تدل على هذا، بل هو دليل على مراعاة الشرع للظروف واعتباره للأحوال عند القيام بالفرائض.
بيان وقت الصلاة وحكم تأخير أدائها عن أول وقتها لعذر
الصلاة ركن الدين، وأداؤها في وقتها من أوجب الواجبات التي افترضها الله تعالى على المسلمين؛ فقال الله سبحانه: إن الصلاة كانت على المؤمنين كتابًا موقوتًا؛ فلم يسقط الشرع وجوبها في القتال، ولا في المرض الشديد، وإنما شرع لكل هذه الحالات رخصًا تناسبها وهيئاتٍ تخفف عن أصحابها؛ بحيث تُؤدَّى في وقتها من غير حرج أو مشقة.
وقد جعل الشارع الكريم لهذه الصلاة أوقاتًا معينة، وجعل أداءها في غير هذه الأوقات من غير عذرٍ إثمًا، ولرفع الحرج عن المكلَّفين وسَّعَ الشارع الحكيم في أوقات الصلوات، فجعل لها أولًا وآخرًا، وجعل أداءها في أي جزء من هذه الأوقات مجزئًا.
وهذا ما علمه جبريل عليه السلام النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وقررته السنة النبوية الشريفة؛ فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «إن للصلاة أولًا وآخرًا، وإن أول وقت صلاة الظهر حين تزول الشمس، وآخر وقتها حين يدخل وقت العصر، وإن أول وقت صلاة العصر حين يدخل وقتها، وإن آخر وقتها حين تصفر الشمس، وإن أول وقت المغرب حين تغرب الشمس، وإن آخر وقتها حين يغيب الأفق، وإن أول وقت العشاء الآخرة حين يغيب الأفق، وإن آخر وقتها حين ينتصف الليل، وإن أول وقت الفجر حين يطلع الفجر، وإن آخر وقتها حين تطلع الشمس» رواه الإمامان الترمذي والنسائي في سننيهما.
ولذلك كان أداء الصلاة في وقتها من باب الواجب الموسع الذي يصح أداؤه في أي جزء من وقته؛ فالوجوب يتعلق بالأداء في أي جزء من الوقت بحيث لا يجوز إخلاء جميع أجزاء الوقت من العبادة، والسعة تتعلق بجواز انتقاء أي جزء من أجزاء هذا الوقت لإيقاع الصلاة فيه؛ أي أن متعلَّق الوجوب لا توسعة فيه، ومتعلَّق التوسعة لا وجوب فيه، كما يعبر الأصوليون، وتعيين أول الوقت لأداء الصلاة فيه هو من النوافل والفضائل لا من الفرائض.
وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم تقديمه لأولى المصلحتين على الأخرى حتى ولو كان على حساب تأخير الصلاة عن أول وقتها للمصلحة؛ كالإصلاح بين الناس كما حدث هذا عند إصلاحه بين بني عمرو بن عوف.
وعُرِفَ من الشرع الشريف استحباب تأخير الصلاة عن أول وقتها لبعض المصالح والحاجات الشرعية والعادية؛ كما في استحباب الإسفار بصلاة الفجر، والإبراد بصلاة الظهر، وتأخير العشاء إلى ثلث الليل، وغير ذلك.
فروى الإمامان البخاري ومسلم في صحيحيهما عن سهل بن سعد رضي الله عنه قال: «بلغ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن بني عمرو بن عوف كان بينهم شيء، فخرج رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يصلح بينهم في أناس معه، فحبس رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وحانت الصلاة، فجاء بلال إلى أبي بكر رضي الله عنه، فقال: يا أبا بكر، إن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قد حبس، وقد حانت الصلاة، فهل لك أن تؤم الناس؟ قال: نعم إن شئت..» الحديث.
وروى الإمامان أحمد في مسنده ومسلم في صحيحه عن بريدة بن الحصيب رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم: أن رجلًا سأله عن وقت الصلاة، فقال له: «صل معنا هذين يعني اليومين فلما زالت الشمس أمر بلالًا فأذن، ثم أمره فأقام الظهر، ثم أمره فأقام العصر والشمس مرتفعة بيضاء نقية، ثم أمره فأقام المغرب حين غابت الشمس، ثم أمره فأقام العشاء حين غاب الشفق، ثم أمره فأقام الفجر حين طلع الفجر، فلما أن كان اليوم الثاني أمره فأبرد بالظهر، فأبرد بها، فأنعم أن يبرد بها، وصلى العصر والشمس مرتفعة أخرها فوق الذي كان، وصلى المغرب قبل أن يغيب الشفق، وصلى العشاء بعدما ذهب ثلث الليل، وصلى الفجر فأسفر بها، ثم قال: أين السائل عن وقت الصلاة؟ فقال الرجل: أنا يا رسول الله، قال: وقت صلاتكم بين ما رأيتم».
قال الإمام النووي في شرح مسلم: [وفيه احتمال تأخير الصلاة عن أول وقتها، وترك فضيلة أول الوقت لمصلحة راجحة].
وذكر الفقهاء في كتب الأشباه والنظائر كالإمام السيوطي، والإمام ابن نجيم من أنواع التخفيفات: تخفيف تأخير؛ كالجمع بمزدلفة، وتأخير رمضان للمريض والمسافر، وتأخير الصلاة عن وقتها في حق مشتغل بإنقاذ غريق ونحوه.
وورد في السنة النبوية أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم شغله كفار قريش في يوم الخندق عن صلاة العصر؛ فروى الإمامان البخاري ومسلم في صحيحيهما عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه جاء يوم الخندق بعد ما غربت الشمس فجعل يسب كفار قريش، قال: يا رسول الله ما كدت أصلي العصر حتى كادت الشمس تغرب، قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «والله ما صليتها» فقمنا إلى بطحان، فتوضأ للصلاة وتوضأنا لها، فصلى العصر بعد ما غربت الشمس، ثم صلى بعدها المغرب.
وأخذ الفقهاء من ذلك أن المكلف إذا منعه مانع عن أداء الصلاة حتى خرج وقتها بالكلية؛ لانشغاله بواجب متعين عليه في هذا الوقت، فإنه لا يأثم بهذا التأخير.
جاء في أنوار البروق في أنواء الفروق: [وحكم العذر الشرعي كحكم العذر الحسي. أما الحسي: فكالنوم المستغرق لوقت الصلاة. وأما الشرعي: فكمزاحمة واجب تفوت مصلحته إن أخر؛ كما في إنقاذ غريق يستغرق وقت الصلاة]. كما حدث هذا في غزوة الخندق؛ حيث قدمت مصلحة الجهاد وحماية المسلمين على مراعاة وقت الصلاة.