منها سد النهضة.. كيف واجهت مصر الضغوط من أجل القضية الفلسطينية؟ | خاص

بعد عامين من الحرب على قطاع غزة، أعلنت حركة حماس، التوصل إلى اتفاق يقضي بـ إنهاء الحرب على غزة، وانسحاب الاحتلال منها ودخول المساعدات وتبادل الأسرى، حيث يعد نجحًا للدبلوماسية المصرية والتي فرضت كلمتها ووساطتها على مسرح الأحداث لإنهاء الحرب على القطاع وفقًا لجدول زمني محدد برعاية أمريكية تحت مسمى «خطة ترامب للسلام».
ضغوط كبيرة على القاهرة بسبب القضية الفلسطينية
وخلال العامين واجهت القاهرة العديد من الضغوط الكبيرة بسبب القضية الفلسطينية ولكن وقفت أمامها كحائط صدٍّ ضد كل الضغوط والاغراءات التي فرضت على الدولة المصرية.
وفى يوم ١٢ أكتوبر ٢٠٢٣، قال الرئيس السيسي فى حفل تخرج الكليات العسكرية، قال خلال كلمته إن فلسطين قضية العرب الأولى، ومن المهم أن يبقى شعبها صامدًا وموجودًا على أرضه، وإن مصر قادرة على حماية أمنها، والشعب المصرى مسئول كذلك عن حفظ مصر.
وأضاف: لم نسبب مشكلة إلى أحد، بالعكس نحن لدينا ٩ ملايين ضيف من دول كثيرة، جاءوا إلى مصر من أجل الأمن والأمان والسلم والسلام، لكن بالنسبة للقطاع، أنا أرى أن الخطورة هناك كبيرة جدًا؛ لأنها تعنى تصفية هذه القضية.
رفض مصر تصفية القضية الفلسطينية بالأدوات العسكرية
وفى يوم ١٨ أكتوبر ٢٠٢٣، أعاد الرئيس السيسى، خلال مؤتمر صحفى مع المستشار الألمانى أولاف شولتس، التأكيد على الموقف المصرى، وقال: «أكدت رفض مصر تصفية القضية الفلسطينية بالأدوات العسكرية، أو أى محاولات لتهجير الفلسطينيين قسريًا من أرضهم، أو أن يأتى ذلك على حساب دول المنطقة»، وتابع الرئيس: «أكدت فى هذا الصدد، أن مصر ستظل على موقفها، الداعم للحق الفلسطينى المشروع فى أرضه، ونضال الشعب الفلسطيني.
انتهاء الحرب انفراجة تاريخية أنهت دوامة الدم والدمار
أكد الدكتور طارق البرديسي، أستاذ العلاقات الدولية، أن خطة السلام الأخيرة التي أنهت عامين من الحرب على قطاع غزة جاءت بمثابة انفراجة تاريخية أنهت دوامة الدم والدمار، مشيرًا إلى أن أبرز ما في الخطة هو وقف إطلاق النار الشامل وإدخال المساعدات الإنسانية، بما يسمح للشعب الفلسطيني بأن “يتنفس بعد سنوات من المذابح والمعاناة”.
وقال البرديسي في تصريحات خاصة لموقع نيوز رووم، إن دور مصر كان المحور الرئيسي في الوصول إلى هذه التسوية التاريخية، مضيفًا: «لولا مصر لما تحققت هدنة نوفمبر 2023، ولولاها أيضًا لما تم تثبيت الهدنة في يناير الماضي، ولا كنا وصلنا إلى خطة السلام الحالية».
القاهرة الفاعل الحقيقي والحاسم في معادلة السلام بالشرق الأوسط
وأضاف أستاذ العلاقات الدولية، أن التحركات المصرية كانت دائمًا تنطلق من ثوابت واضحة تقوم على وقف إطلاق النار، وتأمين الممرات الإنسانية لإدخال المساعدات، والعمل على استئناف مسار التسوية السياسية العادلة، مؤكدًا أن القاهرة أثبتت أنها الفاعل الحقيقي والحاسم في معادلة السلام بالشرق الأوسط.
وأشار أستاذ العلاقات الدولية إلى أن الإشادات الدولية بدور مصر لم تأتِ من فراغ، إذ تلقّت القاهرة تقديرًا واسعًا من مختلف الأطراف، وفي مقدمتهم الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، الذي أكد أن جهود مصر كانت حاسمة في التوصل إلى اتفاق وقف الحرب، مشيرًا إلى أن الرئيس عبدالفتاح السيسي وجّه له دعوة رسمية لحضور مراسم توقيع الاتفاق النهائي بالقاهرة، وهو ما لقي استجابة فورية من ترامب تقديرًا لدور مصر المحوري.
ملف سد النهضة
وشدد البرديسي، على أن مصر واجهت خلال الأشهر الماضية ضغوطًا وإغراءات كبيرة لمحاولة مقايضة ملفات إقليمية حساسة — مثل ملف سد النهضة — مقابل مواقف معينة من القضية الفلسطينية، إلا أن القاهرة رفضت كل هذه المقايضات بشكل قاطع، مؤكدًا أن «مصر لا تُقايض على مبادئها ولا تساوم على حقوق الشعوب».
وأوضح أن رفض مصر لمخطط تهجير الفلسطينيين من قطاع غزة كان موقفًا وطنيًا حاسمًا أجبر الجميع على إعادة حساباتهم، مشيرًا إلى أن القاهرة اتخذت هذا الموقف ليس من أجل الرفض في حد ذاته، بل حفاظًا على الحقوق الفلسطينية، وصونًا للأمن القومي المصري، ودفاعًا عن الثوابت الوطنية التي لا تتغير مهما تبدلت الظروف.
مصر نجحت في الحفاظ على توازن دقيق في علاقاتها الدولية
وأضاف البرديسي أن مصر نجحت في الحفاظ على توازن دقيق في علاقاتها الدولية، فبينما دافعت بقوة عن القضية الفلسطينية، احتفظت بعلاقاتها المتوازنة والاحترام المتبادل مع الولايات المتحدة، مؤكدًا أن هذه القدرة على الجمع بين الثبات والمناورة السياسية تعكس “قوة الدولة المصرية ومهارة إدارتها للملفات المعقدة”.
واختتم أستاذ العلاقات الدولية حديثه قائلاً: «مصر اليوم تقدم درسًا جديدًا في الدبلوماسية والحكمة، بفضل قيادة واعية تعرف متى تتصلب في الموقف ومتى تفتح باب الحوار. والرئيس عبدالفتاح السيسي يقود السفينة المصرية بثبات في بحرٍ مضطرب، لكنه يثبت كل مرة أن القاهرة لا تعرف إلا طريق السيادة والاتزان والقدرة على صناعة السلام».