7 أكتوبر.. الانفجار الذي أعاد تشكيل ملامح الصراع الإقليمي في الشرق الأوسط

في صباح 7 أكتوبر 2023، شهد العالم عملية عسكرية غير مسبوقة هزت قواعد الأمن الإقليمي وأدخلت حالة من الرعب والصدمة في نفوس الإسرائيليين، حيث تكبدوا أكبر خسائر بشرية في تاريخ الصراع العربي الإسرائيلي من حيث القتلى والمصابين والرهائن.
ونفذت هذه العملية حركة حماس، التي جاءت في أعقاب تصاعد التوترات في المسجد الأقصى والضفة الغربية، ومع بدء الذكرى الثانية لهذا الزلزال العسكري، باتت ملامح المشهد السياسي والأمني والعسكري في المنطقة مختلفة تمامًا، فتل أبيب، تحت قيادة بنيامين نتنياهو، لم تتأخر في الرد، فشرعت فورًا في ما سمتها "سيوفها الحديدية"، حملة عسكرية واسعة استهدفت ليس فقط غزة ومدنييها، بل شملت الضفة الغربية، وجنوب لبنان حيث مراكز حزب الله، والجنوب السوري، واليمن مع الحوثيين،

استنزاف حماس وحزب الله
يرى الخبراء أن هذه الحرب استنزفت قدرات حماس العسكرية التي بنتها على مدار سنوات طويلة، حيث دُمرت نحو 70% من بنيتها التحتية، من أنفاق ومراكز قيادة، إضافة إلى استهداف واغتيال قادة بارزين على رأسهم يحيى السنوار ومحمد الضيف وإسماعيل هنية وغيرهم.
وتدور الآن مفاوضات حول خطة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب التي قد تحول حماس إلى مجرد تنظيم سياسي بلا جناح عسكري أو دور في إدارة غزة، ما يعني خروجها تدريجيًا من معادلة الصراع.
وهو الأمر ذاته الذي ينسحب على حزب الله اللبناني، الذي تعرض لاستنزاف غير مسبوق جراء غارات مكثفة استهدفت قواعده في الجنوب والبقاع، وكان أبرز وقع استراتيجي اغتيال زعيمه حسن نصر الله، الذي ترك فراغًا قياديًا هائلًا داخل الحزب، في ظل غياب شخصية كاريزمية تحل مكانه.
سقوط الأسد وتحولات إيرانية روسية
يعزى سقوط نظام بشار الأسد إلى التداعيات غير المباشرة لعملية 7 أكتوبر وما تبعها من تغيرات، حيث دخلت إيران مرحلة استنزاف سياسي وأمني محاولًة إنقاذ حلفائها في سوريا ولبنان واليمن، مع مواجهة ضغوط دبلوماسية لحل ملفها النووي، حيث إن الهجمات الإسرائيلية التي استهدفت مواقع حساسة في سوريا، بما في ذلك القنصلية الإيرانية في دمشق، أكدت ضعف قدرة النظام على حماية المصالح الإيرانية.
فيما ركزت روسيا اهتمامها على الحرب في أوكرانيا، وبدأت تتخلى تدريجيًا عن دعم الأسد، حيث رأت أن النظام السوري لم يعد أداة فعالة، مقدمة له اللجوء السياسي كمكافأة على سنوات ولائه.
ويمثل سقوط الأسد نقطة تحول كبيرة في الشرق الأوسط، حيث أدى إلى تفكك ما كان يسمى "محور المقاومة"، مع دخول نظام جديد إلى دمشق أعلن التهدئة وبدأ مفاوضات مع تل أبيب، مما يعكس تحولًا استراتيجيًا نحو انفتاح أكثر على الغرب.

الحوثيون.. بين المجد القصير والضعف المتزايد
كما استغل الحوثيون الحرب في غزة لإعادة ترتيب صورتهم في المحيط العربي والإقليمي، حيث سعوا لكسب تعاطف شعبي عبر المشاركة في محور المقاومة، وشنوا هجمات صاروخية واستعراضية في البحر الأحمر وإسرائيل، لكنها قابلت بردود عسكرية إسرائيلية وأمريكية أنهكت قدراتهم.
كما شهدوا انشقاقات داخلية وخفضًا في الدعم الإيراني بسبب خشية طهران من مواجهة مباشرة مع الغرب، مما أدى إلى ضعف الدور العسكري والسياسي للحوثيين الذين يبحثون الآن عن شرعية مفقودة وسط هذه الضغوط.
وبالمثل، فقدت الميليشيات العراقية نفوذها وقدراتها الرمزية والعسكرية، حيث حرصت الحكومة العراقية على إبقائها بعيدًا عن النزاعات الإقليمية لتفادي أعباء إضافية على البلاد المثقلة بالحروب.
توتر متصاعد بين تل أبيب وأنقرة
أدت تداعيات 7 أكتوبر إلى تصعيد كبير في العلاقات بين إسرائيل وتركيا، التي انتقدت بشدة العمليات العسكرية الإسرائيلية في غزة، مما أدى إلى قطيعة سياسية متزايدة وتصريحات متبادلة حادة. تركيا تسعى لتعزيز نفوذها الإقليمي، خاصة بعد تراجع الدور الإيراني، في حين ردت إسرائيل بغارات استهدفت مواقع في سوريا قالت إنها تستخدمها أنقرة كقواعد عسكرية.
رغم استمرار العلاقات الاقتصادية، انخفض التعاون الأمني والاستخباراتي إلى حد شبه توقف، فيما شهد المستوى السياسي الرسمي توترًا واضحًا، متوقعًا استمرار حالة التوتر وربما تصاعدها في المرحلة المقبلة.

صعود طموحات الأقليات في سوريا
شهدت المنطقة، بعد 7 أكتوبر، بروز مطالب الأقليات، لا سيما الأكراد والعلويين والطائفة الدرزية في سوريا، الذين بدأوا يطالبون بحقوق سياسية وإدارية، مستفيدين من الفراغ الأمني الذي أعقب سقوط الأسد والدعم الدولي النسبي. إسرائيل تدخلت دفاعًا عن حقوق الطائفة الدرزية بحجة ارتباطها بالطائفة الدرزية في إسرائيل، كما دعمت الغارات على دمشق بذريعة حمايتهم.
أما في الشمال السوري، تدير الأكراد مناطقهم بدعم أمريكي، ما يمنحهم هامشًا للتفاوض مع دمشق حول مطالبهم، رغم أن النتائج العملية لاتزال محدودة حتى الآن.