عاجل

مناضل إصلاحي ترك 15 ألف فتوى.. من هو شيخ الأزهر عبدالمجيد سليم؟

شيخ الأزهر عبدالمجيد
شيخ الأزهر عبدالمجيد سليم

تحل اليوم ذكرى شيخ الأزهر عبد المجيد سليم، الحنفي، المولود بقرية ميت شهالة بمدينة الشهداء بمحافظة المنوفية، عام (1299هـ-1882م)، وفي السطور التالية نستعرض أبرز المحطات في تاريخه.

حفظ القرآن الكريم، ثم انتقل إلى الأزهر، وفيه تلقَّى العِلمَ على الإمام الشيخ محمد عبده، لخمس سنوات، تعلم منه فنون البلاغة، وتأثر بآرائه الإصلاحيَّة، وتلقَّى أيضًا علَى الشيخ حسن الطويل، فتعلم منه أساليبَ الجدل والقياس، وتعلم الفقهَ على فقيه عصره الشيخ أحمد أبو خطوة صاحب كتاب(فتح القدير) في علم الفقه، وقد فاق الشيخُ عبد المجيد سليم أستاذَه في فهم الكتاب وشرحه، وهذا يدل على ما تمتع به الشيخ عبد المجيد من دقة الفهم وذكاء القريحة، ومن مشايخه أيضًا الشيخ محمدالحلبي الشافعي والشيخ عبد المجيد اللبان .

وقد درس الشيخ الجليل علومَ الأزهر، واهتم بدراسة الفلسفة، حتى لُقب بين زملائه: بـ "ابن سينا"، وواظب على تلقِّي العلم، وأَولاه اهتمامًا بالغًا، حتى حصل على العالميَّة من الدرجة الأولى في عام 1326هـ/1908م، ثم اشتغل بالتدريس بالجامع الأزهر والمعاهد الدينيَّة، ومدرسة القضاء الشرعي، ثم عُيِّن نائبًا لمحكمة القاهرة الابتدائيَّة الشرعيَّة.

وقد عمل الشيخ عبد المجيد سليم في مجال الإفتاء مدة تزيد على عشرين سنة، فعمل رئيسًا للجنة الفتوى بالأزهر، ثم عُيِّن رئيسًا لقسم التخصص بالجامع الأزهر، وقد نهض بهذا القسم ونظَّمه، وباشر هذا العمل بالموازاة مع عمله في الإفتاء، كما عمل بالقضاء الشرعي حتى صار رئيسًا لمحكمة مصر الابتدائيَّة الشرعيَّة.

وفي الثاني من شهر ذي الحجة من عام 1346هـ الموافق الثاني والعشرين من شهر مايو من عام 1928م، صدر قرارٌ ملكيٌّ رقم (28) لسنة1928م بتعيينه مفتيًا للديار المصريَّة.

وقد زادت فتاواه خلال عمله بالإفتاء على خمسة عشر ألف فتوى، يُرجع إليها ويعوَّل عليها من قِبل المستفتين حتى وقتنا الحاضر، وقيل: إنه استقال من وظيفة الإفتاء عام 1946م، لَما رأى الحكومةَ وقتذاك تريد التدخلَ في شئون الأزهر.
وفي جمادى الأولى من عام (1348هـ) الموافق أكتوبر (1929م)، عُين شيخًا للسادة الحنفيَّة.

وفي العشرين من شهر رجب عام (1347هـ) الأول من يناير (1929م)، قررت هيئة كبار العلماء، انتخاب الشيخ عبد المجيد سليم؛ ليكون ضمن هذه الهيئة، في محلٍّ خالٍ بكراسي السادة الحنفيَّة، وبناءً عليه، صدر الأمر الملكي رقم (4) لسنة 1929م بتعيينه عضوًا في هيئة كبار العلماء.

وفي أول التحاقه بعضويتها، تَقدم بمقترح بإنشاء "مكتب علميٍّ"، سُمي فيما بعد: "مجمع فاروق الأول للشريعة الإسلاميَّة"، وتم تحويل المقترح إلى اللجان المختصة، ونوقش، وأُقرَّ، وتطور في عام (1943م) إلى: مجمعٍ علميٍّ شرعيٍّ، وهُدف من إنشائه إلى: ردِّ الأزهر على ما يرِد إليه من أسئلة وفتاوى، وتمييز البدع عن غيرها، وتقديم تفسير سهلٍ للقرآن الكريم، وكتابٍ سهلٍ عن الإجابة على بعض الشبهات على الأحاديث النبوية والسيرة النبوية عامَّة، وإحياء ما تمسُّ الحاجة إليه من كتب التراث، وتعد هذه الفكرة هي النواة الأولى لظهور "مجمع البحوث الإسلاميَّة" فيما بعد، ثم أُسندت إليه وكالة المعاهد الأزهريَّة.

توليه مشيخة الأزهر:

وُلي الشيخ عبد المجيد سليم مشيخة الأزهر في الخامس والعشرين من ذي الحجة، من عام (1369هـ)، الموافق للسابع من أكتوبر عام (1950م) بالأمر الملكي رقم (45) بعد وفاة شيخه محمد مأمون الشناوي.
وعقب توليه مشيخة الجامع الأزهر، عقد مؤتمرًا صحفيًّا شديد الأهميَّة، بمقر إدارة الأزهر، في العشرين من شهر المحرم، من عام (1370هـ) الموافق الأول من نوفمبر من عام (1950م)، عرض فيه خطته للنهوض بالأزهر، والإجراءات التي ينوي اتخاذها في سبيل تحقيق هذا النهوض، ومما قاله في البيان الذي ألقاه:

"ولقد تشرفتُ في العاشر من المحرم سنة 1370هـ الموافق 22 من أكتوبر سنة 1950م، بمقابلة حضرة صاحب الجلالة مولاى الملِك المعظَّم... وأصارحكم بأنني كنتُ قبل أن أتشرف بهذه المقابلة محسًّا بثقل التبعة، مشفقًا على نفسي من تحمُّل هذه الأمانة الكبرى، فلما تشرفتُ بمقابلة جلالته، ولقيتُ من عطفه السامي ما لقيتُ، وشعرتُ وأنا في حضرته بشدة رغبته في الإصلاح، شرح اللهُ صدري، وأقرَّ عيني، وأحسستُ أن روحًا من القوة والعزيمة يسري في نفسي..."، ثم ذكر: أنَّ جلالة الملك أحاطه بتوجيهات أضاءت للإمام السبيل إلى تحقيق ما يبتغي تحقيقَه من ضروب الإصلاح.

وكان من الإجراءات التي طرحها:

العمل على ترجمة معاني القرآن الكريم إلى اللغات الأجنبية.

حث العلماء على وضع أبحاث علميَّة في الفقه والتشريع، تساير روح العصر الحاضر.

كذا حثَّ العلماءَ على وضع مؤلفات ونشرات عن الإسلام باللغات الأجنبية، تحقيقًا لعالميَّة الإسلام.

الاهتمام والنهوض بالبعوث الإسلاميَّة، والتواصل الدؤوب مع البلدان التي تحتاج إلى معونة الأزهر الشريف.

أن تُولَى مجلةُ الأزهر عنايةً ملحوظةً؛ لتكون في طليعة المجلات التي تؤدي وظيفة الأزهر في نشر الدين الإسلامي والتعريف به، وردّ الشبهات عنه.

السعْي إلى إنشاء دار طباعة خاصَّة بالأزهر؛ بهدف طباعة ما يرى الأزهر أن الحاجة إليه ماسَّة، ولإخراج مؤلفات علماء الأزهر.

رصد جوائز ومكافآت ماليَّة لأوائل الخريجين من طلبة الأزهر؛ فأمَر برصْد مبلغ ألف جنيه لهذا الغرض، ووجَّه بالاهتمام بأوائل الطلاب، وأن تعيَّن لهم كتبٌ لمدارستها في إجازتهم الصيفية؛ توسيعًا لمداركهم الثقافيَّة.

ومما أُثر عن الإمام من إجراءاتٍ إصلاحيَّة أيضًا:

الاعتناء بمراجعة الكتب؛ لمعرفة أيها يصلح للمقررات الدراسيَّة وأيها لا يصلح، وإصلاح هذه الكتب بما يتواءم مع طبيعة الطلاب؛ ليتحقق تحصيل العلم النافع.

تخريج كوادر علميَّة من طلبة الأزهر، مزوَّدين بالعلوم المختلفة؛ ليكونوا أهلًا لأداء رسالة الأزهر كما يليق.

إرسال بعثات علميَّة من الأزهر إلى بلاد أوروبا؛ لكون العلم رحِمًا بين أهله، كما قال بنفسه لوفدٍ أوروبيٍّ زاره في مكتبه؛ ولذلك أَولى الطلبةَ الوافدين إلى الأزهر اهتمامًا ملحوظًا، وأنشأ للأزهر مراكز في العواصم الأوروبيَّة.

وكان شديد الحرص على النمط القديم للأزهر؛ تقديرًا منه للتراث، وما له من أثرٍ في بناء عقليَّة الطالب الأزهري.

في العاشر من فبراير (1952م)، عيَّن الشيخ عبد المجيد مرة أخرى بالأمر الملكي رقم (15) لسنة1952م، بعد ما ظهر للمَلِك المقصود الحق من كلام الشيخ عبد المجيد، فأمر بإعادته إلى منصبه، في الحادي عشر من جمادى الأولى عام (1371هـ) الموافق السابع من فبراير عام (1952م)، ولم يدُم فيه طويلًا، بل تقدم باستقالته في العام نفسه، وطلب الإعفاء من مشيخة الجامع الأزهر، في السابع والعشرين من شهر ذي الحجة عام (1371هـ)، الموافق للسابع عشر من سبتمبر عام (1952م)، رغم محاولات بعض المسئولين إقناعه بالعدول عن تقديم الاستقالة، لكنه قدمها بالفعل، ليتولَّى مشيخة الأزهر بعده: "الشيخ محمد الخضر حسين".

واهتم في أواخر عمره بموضوع: التقريب بين المذاهب الإسلاميَّة؛ بهدف: تضييق هوة الخلاف بين المذاهب المتعددة، وتجاهُل الضغائن الناتجة عن الخلاف والتعصب، بما يعود على جمهور المسلمين بالنفع، وفي سبيل ذلك، كانت تجري بينه وبين المسؤولين عن هذه المذاهب في البلاد المختلفة، مراسلات ومداولات، فبعدما خطا خطوات واسعة للتحرر من النعرات المذهبية التي يتمسك بها بعض المتمذهبين بمذهبٍ فقهيٍّ معين، قال: "فإنَّا لنرجو أن يُزيل ما بقيَ بين طوائف المسلمين من فرقة ونزاع في الأمور التي يقوم عليها برهانٌ قاطعٌ، يفيد العلمَ، حتى يعودوا – كما كانوا – أمةً واحدةً، ويسلكوا سبيلَ سلفهم الصالح في التفرغ لما فيه عزتهم، وبذل السعي والوُسع فيما يعلي شأنهم".

كان الشيخ عبد المجيد سليم ذا همةٍ عالية، حريصًا على تزكية النفس، معرضًا عن الدنيا ومناصبها، وفي سبيل ذلك كان شجاعًا مِقدامًا؛ لا يخاف إلا الله، فيجهر بالحق مهما كان الثمن، فجَهر بالحق إزاء الملِك – فاروق - مما جعل رئيسَ ديوان الملك يزوره، ويلفت انتباهَه إلى خطورة مخالفته لرغبات الملك، فرد عليه الشيخ عبد المجيد ردًّا تاريخيًّا، قال فيه: "مادمتُ أترددُ بين بيتي والمسجد، فلا خطر".

وفاة الشيخ عبدالمجيد سليم

بعد رحلة علميَّة، وإصلاحيَّة قضاها الشيخ عبد المجيد سليم منافحًا عن الشريعة، ومناضلًا في إصلاح الأزهر، يزأر بالحق في كلِّ المحافل، وافته المنية يوم الخميس، العاشر من شهر صفر، من عام 1374هـ الموافق السابع من أكتوبر من عام 1954م.

وفي الاحتفال بالعيد الألفي للأزهر، كان اسم الشيخ عبد المجيد سليم، ضمن مَنْ مُنِحَ وسام العلوم والفنون من الطبقة الأولى ، رحمه الله رحمة واسعة، وأنزله منازل الأبرار.

تم نسخ الرابط