نبيل أبو النجا “رحلة إلى جهنم”.. ملحمة خلف الخطوط في ذكرى انتصارات أكتوبر

انتصارات أكتوبر المجيد، تحتفل مصر اليوم بالذكرى الـ52 لانتصارات السادس من أكتوبر المجيدة، التي سطّر فيها أبطال القوات المسلحة ملحمة بطولية خالدة أعادت للأمة العربية كرامتها وللأرض المصرية حريتها. ففي مثل هذا اليوم من عام 1973، عبر جنود مصر قناة السويس وحطموا خط بارليف المنيع في معركة أذهلت العالم وأثبتت أن إرادة المصريين لا تُهزم.
انتصارات أكتوبر المجيد
وتتجدد الاحتفالات هذا العام وسط أجواء وطنية تعكس اعتزاز المصريين ببطولات رجال الجيش الذين قدّموا أرواحهم فداءً للوطن، مجسدين أسمى معاني التضحية والانتماء. وتُقيم الدولة العديد من الفعاليات الرسمية والشعبية التي تُبرز ما حققته مصر من إنجازات تنموية وعسكرية منذ ذلك النصر العظيم وحتى اليوم، في ظل قيادة تؤمن بأن روح أكتوبر ستظل دافعًا لبناء مستقبل أكثر قوة واستقرارًا.
الذكرى الثانية والخمسين لنصر أكتوبر
في الذكرى الثانية والخمسين لنصر أكتوبر المجيد، نرصد لكم حكايات أبطال أكتوبر، ومن ضمنهم اللواء نبيل أبو النجا أحد أبطال قوات الصاعقة المصرية، الذي خاض معارك الاستنزاف وأكتوبر، و تبقى قصته واحدة من أعظم الشهادات على أن النصر لم يكن صدفة، بل كان ثمرة جهد وإيمان وتضحيات رجال آمنوا أن مصر لا تُهزم وقاد أصعب مهمة خلف خطوط العدو، قبل أن يؤسس لاحقًا الوحدة 999 قتال، أقوى وحدات القوات الخاصة المصرية.
من الاستنزاف إلى عبور القناة
تخرج نبيل أبو النجا في الكلية الحربية عام 1967، في لحظة مريرة من تاريخ الوطن، لكن الهزيمة لم تكسر عزيمته، فالتحق بوحدات الصاعقة في أنشاص، وشارك في عمليات نوعية خلال حرب الاستنزاف، كانت تلك السنوات هي المدرسة التي أعدت جيل أكتوبر، حيث تدرب على الغارات، الكمائن، والقتال في ظروف مستحيلة، لتصبح خبرته جزءًا من رصيد النصر في 1973.
ومع فجر السادس من أكتوبر، كان النقيب نبيل أبو النجا في مقدمة رجال الصاعقة. تولى رئاسة استطلاع المجموعة 145، المكلفة بالإبرار خلف خطوط العدو في مناطق المضايق، لتعطيل إمدادات إسرائيل ومنح قوات المشاة والمهندسين الوقت الكافي لبناء الكباري وتأمين العبور.
ملحمة خلف الخطوط بخمسين جمل
لكن المهمة الأخطر في حياة أبو النجا جاءت يوم 11 أكتوبر، حين تم تكليف وحدته بتوصيل إمدادات إلى وحدات الصاعقة التي كانت في عمق 80 كيلومترًا داخل سيناء. كانت المحاولات السابقة قد فشلت: الطائرات المروحية أسقطها العدو، القوارب دمرت، والعربات المدرعة حوصرت تحت نيران المدفعية. خمس محاولات متتالية انتهت بالفشل، وكاد الأمل يتبدد.
عندها قرر أبو النجا أن يسلك طريقًا غير متوقع: قافلة من خمسين جملاً تحمل الذخائر والمؤن، تتسلل ليلًا عبر الدروب الصحراوية. كانت الرحلة جحيمًا بكل ما تحمله الكلمة: طيران معاد يحلق فوق الرؤوس، عطش يفتك بالجنود، ونيران قد تنكشف في أي لحظة، في كتابه “رحلة إلى جهنم” وصف تلك اللحظات.
رحلة إلى جهنم
“كنا نسير والخوف يرافقنا في كل كثيب، والعطش ينخر في حناجرنا، لكننا لم نحمل في قلوبنا إلا يقينًا واحدًا: أن مصر تستحق أن نصل، ولو كان الطريق إلى جهنم".
بعد أيام من السير المضني، وصلت القافلة أخيرًا إلى رجال الصاعقة المحاصرين في العمق. كان مشهد استقبالهم للإمدادات أشبه بالبعث من جديد. يقول أبو النجا: “حين رأيت عيونهم تلمع بالأمل، أدركت أن كل مشقة تحملناها وكل خطر خضناه كان يستحق.”
رحلة الجمال لم تكن مجرد عملية إمداد، بل تحولت إلى ملحمة إنسانية وعسكرية، تُدرّس حتى اليوم كأحد أروع نماذج الإبداع القتالي والإصرار المصري على تحويل المستحيل إلى ممكن.
تأسيس الوحدة 999 قتال
لم تتوقف مسيرة أبو النجا بانتهاء الحرب. ففي عام 1978، ساهم في تأسيس الوحدة 999 قتال، الذراع الطولى للقوات الخاصة المصرية، والمتخصصة في أصعب وأخطر العمليات خلف خطوط العدو. صارت الوحدة علامة فارقة في تاريخ العسكرية المصرية، وظلت تحمل بصمته حتى اليوم.
يظل اللواء نبيل أبو النجا بطلًا استثنائيًا في ذاكرة الوطن جنديًا قاتل في الاستنزاف، ضابطًا عبر إلى جهنم في أكتوبر ليعود بالنصر، وقائدًا أسس وحدة أصبحت رمزًا للقوة والردع.