قرار وزير التربية السورية باستبدال القرآن بالموسيقى يهز المحافظات

اتخذ وزير التربية السوري محمد عبد الرحمن تركو قرارًا جريئًا ومفاجئًا، وضعه في قلب عاصفة أصولية مشتعلة، بعدما خفض عدد حصص مادة التربية الدينية في المدارس من 4 إلى حصتين، وألغى مادة "القرآن الكريم وآدابه"، مستبدلًا إياها بمادة الموسيقى والفنون.
"الموسيقى بدلاً من القرآن".. قرار وزير التربية السوري يهز المحافظات السورية
قرار وزير التربية السوري يشعل الشارع
جاء القرار على نطاق واسع كمغامرة تربوية غير محسوبة العواقب، ووضع بموجبها الوزير في مرمى اتهامات دينية وسياسية حادة، ووصف من قبل الغاضبين بأنه "يستهدف الدين ويعبث بمقدّساته".
أثار القرار موجة من الغضب الشعبي والديني، انعكست في مظاهرات خرجت تنديدًا بما سمي "الاعتداء على كتاب الله ودين رسوله"، متهمة الوزير بالسعي لإضعاف الهوية الإسلامية للمدارس السورية.
وطالت الانتقادات الوزير ذاته، حيث أشار البعض إلى خلفيته الكردية كعامل إضافي لتكريس الشكوك حول نواياه، رغم أن الكثير من رموز الدين في سوريا، كعائلتي البوطي وكفتارو، ينحدرون من ذات المكون.

حرب تيارات.. مدنية في وجه التشدد الديني
بدت الساحة السورية منقسمة بين تيار مدني يسعى لتعزيز دور الفنون والانفتاح الثقافي في العملية التعليمية، وآخر ديني متجذر يرى في هذا القرار اعتداءً صريحًا على "شرع الله"، بل وتشويشًا على أهداف الثورة السورية، التي يعتبرها كثيرون ذات طابع إسلامي أصيل.
واعتبر الداعية سعيد الخطيب القرار "خارجًا عن السياق الثوري والإسلامي"، محذرًا من أنه يمثل تصويبًا مباشرًا على جوهر الثورة الذي ارتكز برأيه على الإسلام كوعاء أخلاقي ومصدر إلهام في مقاومة الظلم.
ورأت المعلمة "أسماء"، من ريف دمشق، بدورها في القرار انحرافًا خطيرًا عن مسار الثورة، مشيرة إلى أن استبدال دروس القرآن بالموسيقى ينسجم مع فكر بشار الأسد وليس مع تضحيات الإسلاميين الذين قدموا "دماءهم لنصرة الدين"، على حد قولها.
قرارات الوزير تحت مجهر الشارع المحافظ
فيما اعتبر الشيخ صالح إبراهيم، إمام جامع الفاروق في ريف الحسكة، أن القرار لا يمكن تفسيره على أنه مجرد إعادة توزيع دراسي، بل هو تعدٍ واضح على قدسية الدين في حياة السوريين، محذرًا من أنه قد يفجر غضبًا واسعًا إذا تم تمرير قرارات إضافية، كإلغاء علامة التربية الإسلامية من المجموع العام للشهادة الثانوية.
في المقابل، عبر مواطنون آخرون عن قلقهم مما يرونه بوادر لتقليص الدور الديني في المدارس، من بينهم أحمد، وهو رب أسرة، عبر عن استيائه من القرار الذي رأى أنه "يبعد أبناءه عن الدين"، بعدما لمس نتائج إيجابية لتعليم القرآن في المدرسة على شخصية ابنه.
أصوات معتدلة.. لا حرب على الدين بل توازن مطلوب
ورغم حدة الاعتراضات، ظهرت أصوات أخرى دعت إلى التريث والتفهم، مؤكدين أن القرار لا يستهدف الدين بل يندرج في إطار إعادة هيكلة المنهج المزدحم.
وشدد سميح، معلم تربية إسلامية مخضرم، على أن الوزير لم يتصرف بدافع عدائي، بل اجتهد لتنظيم الجدول الدراسي.
بينما أشار الموجه التربوي خليل معتوق إلى أن القرار يأتي ضمن سلسلة تغييرات شملت حذف رموز النظام البعثي واعتماد علم الثورة.
من جهته، قال أسعد، مدرس موسيقى، إن القضية لا يجب اختزالها في "صراع بين الدين والفنون"، بل هي فرصة لبناء مجتمع متوازن يحتفي بالقيم الروحية والجمالية على حد سواء.
التخريب باسم الدين
و شهد المعهد الموسيقي الوطني في دمشق اعتداءً تمثل في تحطيم آلاته الموسيقية، وسط شكوك بصدور فتوى دينية تبرر الهجوم، ما يعكس حجم الاستقطاب والتوتر المتصاعد.

مظاهرات وتهديدات
امتد المشهد إلى الشارع، حيث خرج طلاب ومعلمون في إدلب إلى وقفة احتجاجية أمام مديرية التربية، رفضًا للقرار.
وفي حماة، احتشد متظاهرون أمام مبنى المحافظة مهددين الوزير ومطالبين بالعودة عن القرار، فيما رد نشطاء مدنيون بالدعوة إلى نشر الموسيقى والفنون في المدينة لزيادة الوعي الثقافي ومواجهة "الخطاب المتشدد".
بين الحرية والتدين.. هل يحسم التوازن الجدل؟
ويرى البعض أن الحل لا يكمن في إقصاء الدين أو تهميش الفنون، بل في إفساح المجال للاثنين في بناء شخصية الطالب السوري.
ودعت السيدة ماجدة، مدرسة موسيقى، إلى التوازن بين الروح والفكر، معتبرة أن الدين الحقيقي لا يتعارض مع الانفتاح، بل يشجعه، مشيرة إلى أن "المجتمع السوي لا يخشى الموسيقى ولا يخاصم الفن، بل يحتضنهما ضمن منظومة أخلاقية متينة".