يحب الحياة ما استطاع إليها سبيلا.. شيخ الخزافين بالقليوبية وعشق الطين الأبدي

العمر بالنسبة له مجرد رقم لا يعنيه، فرغم تجاوزه عمر السبعين إلا أنه ما زال يكافح وسط أفران النار، ففي قلب مدينة الخانكة بمحافظة القليوبية، وفي قلب أزقة هادئة تفوح منها رائحة الطين المحترق، يجلس الحرفي السبعيني أحمد سعودي، شيخ الخزافين، أقدم صانع الخزف والفخار والذي تجاوز السبعين عامًا وما زال يبرهن أن العمر مجرد رقم حين يقترن بالشغف والإبداع والكفاح.
نصف قرن وسط الخزف
فمنذ أكثر من نصف قرن، وهب سعودي عمره للعمل في قلب الطين وصناعة الأوانى الخزفية والفخارية، حيث يحول احمد سعودى الطين بيديه إلى أوانٍ وتحف وتماثيل فرعونية تنطق بروح مصر القديمة والحديثة.
المهندس أحمد سعودى خريج كلية الفنون الجميلة يقول: “تربيت على الطين وكل قطعة فخاري أو خلفية أصنعها تخرج من قلبي قبل يدى”.

الطين عشق لا ينتهي
ورغم مرور السنوات فلا يزال عشق المهندس أحمد سعودى للحرفة يزداد يومًا بعد يوم، حيث يقول سعودي :
الخزف بالنسبة لي ليس مجرد عمل بل هو حب وعمر كامل فقد عشت مع الطين وأريد أن أترك بصمة من بعدي، وأتمنى أن أرى الدولة مهتمة أكثر بتلك الحرفة وأن يكون لها مكان في المدارس والجامعات، حتى تعرف الأجيال الجديدة أن الفن ده جزء من هويتنا وثقافتنا وتاريخنا.
وفي داخل ورشته الصغيرة التي تحولت إلى مدرسة مفتوحة، تتناثر الألوان والقطع الفنية، وتتصاعد حرارة الأفران التي ابتكرها مع أبنائه لتصل إلى 1100 درجة، لتخرج منتجات تحمل توقيعا خاصا من فنان لا يخطئه الذوق.

عندما يتحول الطين إلى حياة
أما عن جيرانه وأصدقائه فيصفونه بأنه فنان نادر وعاشق حقيقي لحرفته، حيث يقول محمود خالد أحد أصدقائه: المهندس أحمد سعودى ليس مجرد حرفي انه إنسان يعرف يحوّل الطين لحياة ورشته أشبه بمتحف صغير مفتوح للجميع.
بينما يضيف سعيد عمارة أحد جيرانه: “لقد تربينا في ذات المكان ودائما زرته يعمل بعزيمة كأنه لا زال شاب صغير وهو فخر أنا ولأهل المنطقة كلها”.
ولم يحتكر سعودي سر الصنعة بل غرس عشقه لأولاده الذين ساروا على خطاه، يصنعون معا تحفا تجمع بين التراث المصري الأصيل والاستخدام العصري الحديث مستخدمين خامات آمنة وألوانا زجاجية تزيدها سحرا وبريقا وجمالا.


رحلة الحفاظ على الهوية المصرية
ورغم الصعوبات وارتفاع أسعار الخامات، يصر المهندس أحمد سعودي على الاستمرار، مؤمنا بأن هذه الحرفة الراقية ليست مجرد مصدر رزق بل هى جزء من الهوية المصرية يجب أن تحظى بدعم الدولة واهتمامها.
ويختتم المهندس أحمد سعودى شيخ الخزافين وأقدم صانعى الخزف والفخار بالقليوبية يقولها: “الخزف مثل الإنسان له ملامحه الخاصة، ولا توجد قطعة تشبه التانية ومن يعمل بيده يشعر بقيمة حياته”.