عاجل

حكاية فارسكور.. قلعة مصرية أوقفت أطماع الغزاة في العصور الوسطى

فارسكور
فارسكور

تظل مدينة فارسكور بمحافظة دمياط واحدة من العلامات البارزة في تاريخ مصر العسكري، حيث ارتبط اسمها بواحدة من أهم المعارك الفاصلة التي دارت أحداثها في العصور الوسطى، والتي أكدت قدرة المصريين على حماية أرضهم وهزيمة أعتى الجيوش الغازية.

تعود القصة إلى الحملة الصليبية السابعة بقيادة الملك الفرنسي لويس التاسع، والتي نزلت إلى دمياط في منتصف القرن الثالث عشر الميلادي، حيث اتخذها الصليبيون قاعدة عسكرية لهم بهدف التوسع والتوجه إلى القاهرة للسيطرة على قلب مصر، غير أن المقاومة الشعبية والعسكرية كانت لهم بالمرصاد، وتمكن الجيش المصري من التضييق على القوات الغازية حتى اضطروا للانسحاب.

وكانت فارسكور مسرحًا للمعركة الحاسمة عام 1250م، حيث جرت مطاردة قوية للصليبيين بعد انسحابهم من دمياط، وفي تلك المواجهة الكبرى، حاصر المصريون جيش لويس التاسع عند فارسكور، وقطعوا عنهم طرق الإمداد والانسحاب، حتى وقع الملك الفرنسي نفسه أسيرًا مع عدد كبير من قادته وجنوده، وتم اقتياده إلى المنصورة ثم سجنه بدار ابن لقمان، في واحدة من أبرز لحظات النصر في تاريخ مصر الإسلامي.

هذا الانتصار الذي تحقق على أرض فارسكور لم يكن مجرد حدث عسكري عابر، بل شكل نقطة تحول استراتيجية أنهت أطماع الصليبيين في مصر لفترة طويلة، ورسخ مكانة دمياط كخط الدفاع الأول عن الوطن، كما جسد بطولة الشعب المصري وتلاحمه مع جيشه في الدفاع عن الأرض والعرض، وهو ما جعل المؤرخين يطلقون على فارسكور وصف "الحربية"، تخليدًا لدورها العسكري الفريد.

اليوم، وبعد مرور قرون على تلك الواقعة التاريخية، لا تزال فارسكور تحتفظ بذاكرة نصرها الخالد، فأهلها يتوارثون الحكاية جيلًا بعد جيل، وتبقى رمزية المدينة حاضرة في وجدان الدمايطة والمصريين عامة، كما تحرص المؤسسات التعليمية والثقافية في دمياط على إحياء هذه الذكرى من خلال الندوات والاحتفالات التي تؤكد على دور فارسكور كرمز من رموز البطولة والفداء.

ويؤكد المؤرخون أن حكاية فارسكور تعكس دروسًا عميقة في الوحدة الوطنية والتخطيط العسكري والانتصار على العدو مهما بلغت قوته، مشيرين إلى أن سقوط الملك الفرنسي في الأسر كان بمثابة رسالة إلى العالم آنذاك بأن مصر عصية على الغزاة.

وتظل فارسكور الحربية علامة مضيئة في تاريخ مصر، وواحدة من الشواهد الحية على صمود المصريين عبر العصور، فهي لم تكن مجرد معركة، بل كانت ملحمة كبرى رسمت ملامح مرحلة جديدة من التاريخ، وكتبت بحروف من نور على أرض دمياط لتبقى ذكرى تتناقلها الأجيال وتستمد منها العزيمة والفخر.

تم نسخ الرابط