ما حكم ترقيع الجلد التالف للإنسان الحي بجلد الميت؟

لا حرج شرعا في الاستفادة بجلد المتوفى للزرع والترقيع عند وجود حاجة ضاغطة تستدعي ذلك، بشرط ألا يكون هذا الاستخدام محل بيع أو تجارة بأية صورة، وأن تراعى الضوابط الشرعية والقانونية المنظمة لعمليات نقل الأنسجة والأعضاء من الميت إلى الحي.
وتوصي دار الإفتاء المصرية في هذا الباب بما يلي:
أ. أن تُجرى عملية النقل في مركز طبي مختص ومعتمد من الدولة، وأن تتمّ بموجب ترخيص رسمي ودون أي مقابل مالي بين الأطراف المشاركة.
ب. ألا يُؤخذ من جسد المتوفى إلا ما يلزم بالقدر الضروري، فالحكم الراجح في محل الضرورة يُقَيَّد بقدرها، مع العمل على إعادة ما يلزم من ترميم لمظهر الجسد بعد نزع النسيج الجلدي وتكفينه بما يليق.
ج. اتخاذ كل الاحتياطات والإجراءات التي تحول دون تحويل هذه العمليات إلى مجال للاتجار أو الاستغلال؛ بحيث تبقى الغاية خيرية تتمثّل في التعاون على البر والتقوى، ويكون ذلك عبر التبرع التطوعي لا عبر البيع أو أي معاملات أشبه به
حفظ النفس من مقاصد الشريعة الإسلامية
من المقاصد الكبرى التي عنيت بها الشريعة الإسلامية: صيانة النفس البشرية وحمايتها من كل ما يهددها بالهلاك أو الضرر، ولذلك جاءت النصوص بالأمر باتخاذ الأسباب المؤدية إلى حفظها، ومن ذلك الوقاية من الأمراض قبل وقوعها، والمسارعة إلى التداوي عند الإصابة بها، فالمسلم مأمور شرعًا بأن يلجأ إلى كل وسيلة مشروعة تحفظ صحته وحياته. ومن جملة هذه الوسائل ما وصل إليه الطب الحديث من عمليات علاجية مثل ترقيع الجلد عند تعرضه للتلف أو التشوه نتيجة الحوادث أو الأمراض.
مفهوم ترقيع الجروح
الترقيع في أصل اللغة مأخوذ من الفعل “رَقَعَ” بمعنى سد الخلل وإصلاحه، كما ذكر ابن فارس في مقاييس اللغة (2/429). وفي الاصطلاح الطبي يُطلق “ترقيع الجروح” على العملية الجراحية التي يُستعاض فيها عن الجلد المتضرر برقعة جلدية من نفس المريض أو من غيره، كما جاء في المعجم الوسيط (1/365).
وقد يكون الترقيع “ذاتيًا” إذا أُخذت الرقعة من جلد المريض نفسه من منطقة مستترة، وذلك في الحالات التي تتراوح فيها مساحة الإصابة بين 30 – 50% من مساحة الجسم. أما إذا كانت المساحة أوسع بحيث يتعذر الاعتماد على جلد المريض نفسه، فيلجأ الأطباء إلى “الترقيع المتباين” باستخدام جلد إنسان آخر، حيًّا أو ميتًا.
الحكم الشرعي في ترقيع جلد الحي بجلد الميت
النظر في هذه المسألة يتردد بين اعتبارين:
الأول: أن الشريعة قد كرمت الإنسان حيًا وميتًا، قال تعالى: ﴿وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ﴾ [الإسراء: 70]. ومن مقتضى هذا التكريم صيانة جسده بعد وفاته، وعدم التعرض له بما فيه امتهان أو أذى. وقد ورد في الحديث الشريف: «إن كسر عظم المؤمن ميتًا ككسره حيًّا» (أحمد)، مما يدل على بقاء الحرمة بعد الوفاة كما هي في الحياة. لذلك نص الفقهاء على تحريم الانتفاع بأجزاء الآدمي حيًّا أو ميتًا إلا عند الضرورة.
الثاني: أن حفظ النفس من الهلاك مقصد شرعي مؤكد، قال تعالى: ﴿وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ﴾ [البقرة: 195]. كما حث النبي ﷺ على التداوي، فقال: «تَدَاوَوْا، فَإِنَّ اللَّهَ لَمْ يَضَعْ دَاءً إِلَّا وَضَعَ لَهُ دَوَاءً غَيْرَ دَاءٍ وَاحِدٍ الْهَرَمُ» (أحمد). والحروق الشديدة وما شابهها قد تُعرّض حياة المريض لخطر الموت أو العجز الشديد، ولا سبيل لشفائه أحيانًا إلا بترقيع الجلد من جسد آخر.
وبذلك يتعارض في هذه الحالة أمران: انتهاك حرمة الميت، أو إنقاذ نفس حية من الهلاك. وقد تقررت في القواعد الفقهية أولوية دفع أعظم المفسدتين بارتكاب أخفهما، فإذا توقفت حياة الحي على الانتفاع بجزء من الميت، قُدّمت حياة الحي، وهو ما يدخل تحت قاعدة: الضرورات تبيح المحظورات.
النصوص الفقهية في تقديم حياة الحي على حرمة الميت
ذكر الفقهاء أن المرأة إذا ماتت وفي بطنها جنين يُرجى حياته، جاز شق بطنها لإخراجه، تغليبًا لحق الحي على حرمة الميت. قال ابن مودود الموصلي الحنفي: “لأنه تسبيب إلى إحياء نفس محترمة” (الاختيار 4/167). وقال الشربيني الشافعي: “لأن حرمة الحي أعظم من حرمة الميت” (مغني المحتاج 6/160). وهو ما يؤكد أن ما قُرر من حرمة الانتفاع بأجزاء الآدمي إنما يكون عند السعة، لا في حال الضرورة المُلجئة.
موقف القانون المصري
نص القانون رقم 5 لسنة 2010م بشأن تنظيم زرع الأعضاء البشرية على أنه: “لا يجوز نقل أي عضو أو نسيج من جسم إنسان حي إلا لضرورة تقتضيها المحافظة على حياة المتلقي، وألا يترتب على النقل تعريض المتبرع لخطر جسيم”، وهو ما ينسجم مع الضوابط الشرعية في هذا الباب.
الضوابط الشرعية لنقل الجلد من الميت إلى الحي
أ. أن تتم العملية في مركز طبي متخصص معتمد من الدولة ومرخص له بذلك، وبصورة مجانية تمامًا بعيدًا عن البيع والشراء.
ب. ألا يؤخذ من جسد الميت إلا القدر المطلوب، مع إعادة ترميم الجسد بعد العملية وتكفينه بما يليق.
ج. أن يُراعى أن تبقى العملية في نطاق التبرع والتكافل، لا في دائرة التجارة أو الاستغلال، تحقيقًا لمقصد التعاون على البر والتقوى.
الخلاصة:
يجوز شرعًا ترقيع جلد الإنسان الحي بجزء من جلد الميت عند الضرورة الملجئة التي يتوقف عليها حفظ النفس أو دفع الهلاك، بشرط الالتزام بالضوابط الشرعية والقانونية، وأن يكون القصد التعاون على الخير، لا التجارة أو الامتهان