التحول الطاقي بوابة أفريقيا نحو أمن الطاقة والتنمية المستدامة

في وقت تتسارع فيه التحولات العالمية نحو الطاقة النظيفة، تضع أفريقيا نفسها أمام سؤال وجودي.. كيف يمكن للقارة، التي تضم أكثر من مليار نسمة ويعاني 600 مليون منهم من انقطاع أو غياب الكهرباء، أن تواكب سباق العالم نحو الاقتصاد الأخضر؟ من مصر، جاء الجواب عبر قمة الكهرباء الأفريقية التي تحولت إلى منصة إقليمية ودولية للحوار حول التحول الطاقي كضرورة ملحّة وليس مجرد خيار تنموي.
ناقش المشاركون في القمة التحديات العميقة التي تواجه دول القارة في ملف الكهرباء، بداية من فجوة التمويل الضخمة، مرورًا بتراجع الاستثمارات في البنية التحتية، وصولًا إلى الحاجة لتقنيات حديثة تقلل الاعتماد على الوقود الأحفوري. وقدمت مصر، من خلال وزارة الكهرباء والطاقة المتجددة، تجربتها كنموذج ناجح في التوسع بمشروعات الطاقة الشمسية والرياح، وعلى رأسها مشروع بنبان الشمسي بأسوان، الذي بات أحد أكبر المشروعات في العالم.
وفي هذا السياق، أوضح مسؤولون بالاتحاد الأفريقي أن برامج التحول الطاقي يجب أن توازن بين حق أفريقيا في التنمية وبين مسؤوليتها تجاه البيئة العالمية.
في كلمته الافتتاحية، شدد وزير الكهرباء المصري على أن القارة تمتلك إمكانات هائلة من مصادر الطاقة المتجددة تكفي لتغطية احتياجاتها ومضاعفتها، لكن الأمر يتطلب إرادة سياسية قوية وتعاونًا إقليميًا، بجانب ضخ استثمارات أجنبية مباشرة.
وأضاف أن القمة لا تقتصر على طرح الأفكار، بل تعمل على صياغة خريطة طريق عملية تعكس أولويات كل دولة وتضع أطرًا للتعاون بين الحكومات والقطاع الخاص والمؤسسات المالية.
شهادة القطاع الخاص
ممثلون عن شركات الطاقة العالمية أشاروا إلى أن أفريقيا أصبحت وجهة جاذبة للاستثمار في مشروعات الكهرباء الخضراء، لكن ما ينقصها هو الاستقرار التشريعي وضمانات التمويل.
وأكدوا أن مصر نجحت في توفير بيئة حاضنة عبر اتفاقيات شراء الطاقة طويلة الأجل التي منحت المستثمرين ثقة أكبر في السوق المحلي، ما يمكن تكراره في باقي دول القارة.
أن التحول الطاقي في أفريقيا لم يعد مجرد خيار استراتيجي بل تحول إلى ضرورة وجودية، ترتبط بالأمن القومي والغذائي والصحي لشعوب القارة. فبدون طاقة نظيفة ومستدامة، لن تستطيع أفريقيا اللحاق بركب الاقتصاد العالمي أو مواجهة تحديات التغير المناخي.
ومصر، عبر هذه القمة، وضعت حجر أساس لمسار طويل قد يحدد مستقبل القارة لعقود قادمة.
استراتيجية واضحة حتى 2040
عرض الوزير ملامح الاستراتيجية الوطنية للطاقة حتى عام 2040، والتي تستهدف،أن تصل نسبة الطاقة المتجددة في مزيج الكهرباء إلى 42% بحلول 2030، وتجاوز الـ 65% بحلول 2040،
وترشيد الاستهلاك في مختلف القطاعات بنسبة 18% بحلول 2040.
بحسب تقارير الوكالة الدولية للطاقة، فإن استثمارات قطاع الكهرباء في أفريقيا يجب أن تتجاوز 120 مليار دولار سنويًا بحلول 2030 ضمن السيناريو المستدام، مع نصف هذا المبلغ مخصص للطاقة المتجددة.
التقرير ذاته يشير إلى أن القارة تحتاج إلى أكثر من 200 مليار دولار سنويًا لتلبية أهداف الطاقة والتحول المناخي بحلول 2030، غير أن الاستثمارات الفعلية تغطي فقط حصة ضئيلة من هذا المبلغ.
أكثر من 640 مليون أفريقي لا يزالون بدون كهرباء، ما يجعل معدل الوصول إلى الكهرباء في القارة يراوح عند نحو 40% فقط.
في أفريقيا جنوب الصحراء، حوالي 43% من السكان يفتقرون إلى الكهرباء.
استثمارات الطاقة المتجددة في أفريقيا ارتفعت من نحو 2.6 مليار دولار في 2021 إلى ما يُقدَّر بـ 40 مليار دولار في 2024، مع أن هذه القيمة لا تمثل إلا أقل من 3٪ من تمويل الطاقة النظيفة على مستوى العالم.
لتلبية احتياجات قطاع الطاقة في أفريقيا للفترة 2023–2030، يُقدّر أن القارة تحتاج إلى استثمارات تبلغ نحو 454 مليار دولار، أي ما يعادل حوالي 64 مليار دولار سنويًا.