حانت ساعة الحقيقة في مأساة 7 أكتوبر التي تجاوزت معنى النكبة التي عرفها التاريخ في عام 1948 لتتماس مع مفهوم الإبادة وهنا يجب أن يعلو صوت العقل والحكمة خاصة بعد أن استطاعت الولايات المتحدة الأمريكية بحشد تأييد واسع لخطة ترامب لإنهاء الحرب في غزة وبات السؤال الأكثر إلحاحا هو هل بقاء حماس أهم من بقاء الفلسطينيين أنفسهم وهل بتنا أمام ضرورة حتمية لاستعادة معنى المقاومة وأهدافها فالصمود هو منع العدو من تحقيق أهدافه والتي كنا نتصورها خلال العامين الماضيين أنها حرب على حماس بل كانت ستار دخان كثيف للتصفية القضية والتمدد والتوسع ودغدغة أوهام إسرائيل الكبرى.
ولسنا هنا بصدد شرح هل خطة ترامب وثيقة استسلام أم محاولة لصنع السلام فالجميع يفهم أنها كتبت في اتجاه واحد وهدف واحد وهو صيانة أمن إسرائيل والإسرائيليين والدخول في هذا الجدل حول سوء الخطة وما تضمه من إملاءات ليس سوى جدل بلا طائل.
السؤال الأهم هو هنا هل يمكن أن يوضع بقاء حماس وسلاحها في كفة وأمن 2 مليون غزاوي محشورين في أتون محرقة إنسانية صرخ العالم كله لإيقافها بأي ثمن وبات اليوم الجميع أمام حقيقتين أن يستمر نهر الدم مقابل بقاء حماس وسلاحها وهنا يجب أن نسأل أنفسنا هنا عن أمجاد واهية بدت في نهاية المطاف كسراب بقيعة يحسبه الظمآن ماء فلا إسرائيل زالت ولا قدس تحرر بل باتت مكتسبات سياسية مضت في مهب الريح.
ولنعقد مقارنة قريبة من الذهن فهل أفاد سلاح حزب الله لبنان واللبنانين وهل أفلح سلاح محور المقاومة برمته في حقن دماء الفلسطينيين أو ردع العدوان عليهم وكم صرخ كثيرون أن "المقاومة" واحدة وأن دماء الفلسطينيين هي دماؤكم ليختفي الجميع سوى من تصريخات عنترية حين نزلت النار على غزة وأكلت الأخضر واليابس فأين كانت صواريخك حزب الله التي كان يملأ بها الدنيا ضجيجا وأين كانت "القدرات الردعية" التي هدد بها العدو الصهيوني؟! واليوم يتحول سلاحه إلى ورقة مساومة على طاولات التفاوض في بيروت بينما أبناء عمومتكم في فلسطين يدفعون الدم ثمنا للوهم الذي تبيعونه.
إن سلاحاً لا يحرر أرضا ولا يرفع ظلما ولا يغيث ملهوفا ليس سوى أداة تخويف في ساحات السياسة الفارغة وما قيمة ممارسة أسلوب المن والأذى الذي تمارسه أبواق حماس في سرد تضحيات من نصبوا أنفسهم قادة محررين بيد أن الحقيقة أنهم غير قادرين على حماية أنفسهم ويعيش بعضهم كلاجئين بحماية أمريكية ويعيش البعض الآخر في أنفاق تحت الأرض واذكروا لي يوما حققت فيه الأمة نصرا وقادتها مختبئين أو مهجرين أو ناعقين عبر شاشات فضائية.
إن المشهد قاس حين تتخذ إسرائيل أكثر من 2 مليون فلسطيني كرهائن في مقابل 50 رهينة وجثة مازالت تعتبرهم حماس ورقة تفاوض ولا أعرف تفاوض على ماذا هل لتحرير أرض أو إقامة دولة لا والله إنه تفاوض على تصفير العدادات واستعادة مشهد ما قبل هجوم 7 أكتوبر وكأنه لم يكن ..فما الذي يمكن أن نتباكى من أجله أمام عرض ترامب المخزي؟!.
وعلى أي حال إن تصور أن المقاومة ستنتهي بتفكيك حماس هو واهم فطالما تلد الأرض أبطالها وطالما بقى احتلال ستنبت الأرض مقاومين ولم يعد أدنى حليف يمكن الاعتماد عليه إن هزيمة حماس ليست هزيمة للفلسطينيين بل هزيمة لهم يوم أن قرروا أن يتحركوا فرادى دون تنسيق أو حليف وفيّ قادر أن يوفر لها النجاح في ما بدأته.. وعلى أية حال فالصورة رغم قتامتها إلا أنها ليست شديدة السواد فلتعتبروا أن وقف العدوان على ما تبقى من أهل غزة نصرا واعتبروا أن التعاطف الإنساني مع مأساة أهل غزة نصرا واعتبروا أن الحديث المتصاعد عن إقامة دولة فلسطينية نصرا واعتبروا أن إفشال مخطط التهجير نصرا واعتبروا أن إفشال ضم الضفة الغربية نصرا واعتبروا أن تضحيتكم الحقيقية اليوم هي إفساح الطريق لمن قد يكون يوما قادرا على تحقيق ما فشلتم فيه ..تفحصوا عيون الأرامل والأيتام والعجزة وفاقدي الأهل والأحباب وتذكروا كل رضيع لفظ أنفاسه بين يدي أمه جوعا أو عطشا وارفعوا الحرج عن الأمة بوقف هذه المقتلة وإن كنتم صادقين في ما ترددونه "هي لله هي لله فغادروا وسلموا الراية لجيل جديد حقنا لدماء من عجزتم عن حمايتهم أو ردع من يهددهم.