عاجل

"التنمر" خطر يهدد الأطفال بين غياب دور الأسرة وضعف الرقابة المدرسية 

التنمر
التنمر

في ظل تزايد حالات التنمر بين الأطفال والمراهقين داخل المدارس والنوادي ومحيط الأسرة، تتصاعد التحذيرات من خبراء علم النفس والاجتماع بشأن انعكاساته الخطيرة على الصحة النفسية والجسدية للأبناء، وسط مطالبات بضرورة تضافر جهود الأسرة، المدرسة، المؤسسات الدينية والإعلامية، لمواجهة الظاهرة التي باتت تهدد التماسك المجتمعي وتنذر بجيل فاقد للثقة في النفس.

 

غياب دور الأسرة أبرز أسباب التنمر

أكدت الدكتورة ريهام محيي الدين، أستاذ بالمركز القومي للبحوث الاجتماعية، أن ظاهرة التنمر أصبحت من أبرز القضايا التي تستدعي الاهتمام في المجتمعات العربية والعالمية على حد سواء، نظرًا لما تتركه من آثار نفسية وسلوكية خطيرة على الأطفال والمراهقين. 
وأوضحت "محيي الدين" في تصريحات خاصة لـ"نيوز روم"، أن التنمر يختلف عن العنف العابر، فهو سلوك متكرر ومتعمد يستهدف شخصًا بعينه، بهدف استعراض القوة واستغلال نقاط الضعف لديه، سواء في الشكل أو اللون أو العرق أو الدين أو حتى في التميز الدراسي. 
وأشارت، إلى أن للتنمر ثلاثة أطراف: المتنمر، والمتنمر عليه، وجماعة المتفرجين أو المشجعين، لافتًة أن القائم بالتنمر غالبًا ما يكون قد تعرض في طفولته لظروف أسرية صعبة أفقدته الثقة بالنفس، فيسعى لإثبات ذاته بفرض سلطته على الأضعف منه. 
وأوضحت، أن العلامات التي تكشف تعرض الطفل للتنمر قد تكون نفسية أو بدنية، من بينها: الانعزال الاجتماعي، رفض الذهاب إلى المدرسة، تراجع التحصيل الدراسي، أو ظهور كدمات وإصابات جسدية. 
وأكدت محيي الدين، أن خطورة الظاهرة دفعت الدولة والمجتمع المدني إلى التحرك، حيث أطلق المجلس القومي للطفولة والأمومة بالتعاون مع اليونيسيف حملة "أنا ضد التنمر" عام 2019، والتي تلقت ما يزيد عن 50 ألف اتصال، بمعدل يومي بلغ ألفي استشارة، فيما جاءت محافظات القاهرة والجيزة والإسكندرية على رأس المحافظات الأكثر تسجيلًا للحالات. 
وأضافت، أن المشرع المصري أدخل تعديلًا على قانون العقوبات عام 2020 بإضافة المادة (309 مكرر)، التي تنص على عقوبة الحبس والغرامة بحق كل من يمارس التنمر ضد أي شخص، باعتباره اعتداءً على الكرامة الإنسانية ومحاولة للإقصاء الاجتماعي. 
وشددت على أهمية دور الأسرة والمدرسة في مكافحة الظاهرة، قائلة: "الطفل يجب أن يشعر بأن والديه مصدر دعم وأمان له حتى يستطيع البوح بما يتعرض له دون خوف، كما يجب على الأسر أن تربي أبناءها على احترام الآخرين وتقبل الاختلاف". 
كما لفتت إلى الدور الإيجابي لمناهج التعليم الجديدة التي أدخلت مادة "القيم واحترام الآخر" منذ الصفوف الأولى، معتبرًة أن غياب التربية الأسرية السليمة، وضعف الخطاب الديني، وانتشار الألعاب الإلكترونية العنيفة ووسائل التواصل الاجتماعي، كلها عوامل ساهمت في تفاقم الظاهرة. 
وأكدت أستاذ بالمركز القومي للبحوث الاجتماعية، على أن مواجهة التنمر تتطلب تضافر جهود الأسرة، والمدرسة، والمؤسسات الدينية والإعلامية، مشيرًة إلى أن دمج ذوي الاحتياجات الخاصة في المدارس خطوة مهمة لغرس ثقافة تقبل الاختلاف لدى الأجيال الجديدة.


يهدد الصحة النفسية والجسدية للأطفال 


أكدت الدكتورة دعاء محمد حسين، استشاري الصحة النفسية والإرشاد الأسري والتربوي، أن التنمر يعد سلوكًا عدوانيًا خطيرًا لا يؤثر فقط على الضحية، بل يمتد أثره السلبي أيضًا إلى المتنمر نفسه. 
وأوضحت "حسين" في تصريح خاص لـ"نيوز رووم"، أن الأطفال الذين يتعرضون للتنمر يعانون من اضطرابات نفسية مثل القلق والتوتر والحزن، إضافة إلى انعكاس ذلك على صحتهم الجسدية من خلال فقدان الشهية واضطرابات النوم، فضلاً عن تراجع أدائهم الأكاديمي وضعف ثقتهم بأنفسهم وعلاقاتهم الاجتماعية. 
وأضافت استشاري الصحة النفسية، أن للتنمر أسبابًا متعددة، أبرزها العنف الأسري، الإهمال، الضغوط الاجتماعية، الغياب الرقابي من الأسرة أو المدرسة، وأحيانًا الغيرة من تفوق الزملاء، وبينت أن الطفل المتنمر غالبًا ما يعكس ما يتعرض له من مشكلات وضغوط داخل أسرته أو بيئته المحيطة. 
وشددت على أهمية التدخل المبكر من الأسرة والمدرسة لمعالجة هذه الظاهرة، مع ضرورة تقديم دعم نفسي للطفل المتنمر لفهم دوافعه والعمل على تعديل سلوكه، إلى جانب وضع ضوابط وعقوبات واضحة لردع أي ممارسات سلبية. 
أوصت "حسين"، بضرورة تخصيص حصص وأنشطة مدرسية لتعزيز السلوكيات الإيجابية بين الطلاب، وتفعيل دور الأخصائي النفسي داخل المدارس لتنمية الوعي بأهمية الاحترام المتبادل ونبذ السلوكيات العدوانية. 
وأكدت على أهمية التعاون المستمر بين أولياء الأمور والإدارة التعليمية لمتابعة سلوك الأبناء وتصحيح أي انحرافات في وقت مبكر.
وتابعت: "علينا أن نغرس في أبنائنا القيم والأخلاق قبل أي شيء، ونربيهم على الرحمة والإنسانية والتعامل مع الآخرين بالاحترام. فالتنمر ليس مجرد سلوك عابر، بل مشكلة حقيقية تستدعي وعياً مجتمعياً شاملاً لمواجهتها والحد من آثارها".

تم نسخ الرابط