تفسير ﴿وَمَن يُرِد فِيه بِإلْحادٍ بِظُلْمٍ﴾ وحكم المعصية داخل المسجد الحرام؟

أكدت دار الإفتاء المصرية أن التهديد الوارد في قوله تعالى: ﴿وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ﴾ [الحج: 25] هو تهديد بالغ الشدة، يعكس حرمة المسجد الحرام وقدسيته البالغة عند الله تعالى، حتى إن مجرد إرادة الإثم والمعصية فيه تُوجب العذاب الأليم، فكيف بمن يرتكب الإثم فعلًا!
وأوضحت الدار أن هذه الآية الكريمة جاءت في سياق الحديث عن الذين كفروا وصدوا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأصحابه عن دخول المسجد الحرام عام الحديبية، حيث منعوهم من أداء مناسك العمرة. وقد نزلت هذه الآية، وفقًا لما ذكره ابن عباس رضي الله عنهما، في أبي سفيان وأصحابه قبل إسلامهم.
التحذير من المعصية داخل المسجد الحرام
وأضافت الدار أن قوله تعالى: ﴿الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ الَّذِي جَعَلْنَاهُ لِلنَّاسِ سَوَاءً الْعَاكِفُ فِيهِ وَالْبَادِ﴾ يُظهر تشريف هذا المكان المبارك، حيث جعل الله تعالى الناس فيه سواء؛ لا فرق فيه بين المقيم الملازم له (العاكف) أو القادم من البادية أو من خارج مكة (البادي). فالمسجد الحرام ليس حكرًا على أحد دون أحد، بل هو بيت الله جعله مفتوحًا للناس جميعًا.
وأشارت إلى أن المراد بالإرادة في الآية: مجرد نية فعل المعصية داخل المسجد الحرام، حتى قبل أن تُرتكب فعليًّا، وهو ما يدل على عظيم حرمة هذا المكان؛ فالله عز وجل توعَّد من أراد أن يُلحد فيه – أي يميل عن الحق – بعذاب أليم، وهذا يدل على أن العدوان أو الظلم في المسجد الحرام جريمة مغلظة.
وبيّنت دار الإفتاء أن الإلحاد في الآية يعني الميل والانحراف، سواء في العقيدة أو السلوك أو النية، وأكدت أن هذا الإثم يشمل جميع صور الظلم والمعصية، لا سيما إذا ارتُكبت داخل حدود الحرم. وقد نقلت عن الإمام ابن جرير الطبري ترجيحه أن المراد بالظلم هنا معناه العام، أي: كل معصية تُرتكب داخل الحرم المكي، سواء كانت قولية أو فعلية، خفية أو ظاهرة.
كما أكدت أن المساجد – وعلى رأسها المسجد الحرام – يجب أن تُصان عن الدعاية المذهبية أو السياسية أو الشخصية، وأن تبقى أماكن خالصة لله تعالى، يُبتغى فيها وجهه وحده، كما قال سبحانه: ﴿وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ للهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا﴾ [الجن: 18].
واختتمت دار الإفتاء بيانها بالتأكيد على أن تعظيم المسجد الحرام واحترام حرمته سلوك إيماني، وأن مجرد التفكير في الانحراف أو العدوان داخل حدوده يعد جرمًا عظيمًا توعَّد الله عليه بعذابه، فيجب على المسلمين أن يوقروا هذا المقام العظيم وأن يحذروا من أي تجاوز فيه، ظاهرًا كان أو باطنًا.