مياه البحر آخر الملاذ.. مأساة العطش تتفاقم في قطاع غزة المحاصر

على أنقاض مدينة تقصف ليل نهار، تتكدس عشرات الآلاف من العائلات في خيام مهترئة، تواجه تحدياً قاتلاً لا يقل ضراوة عن القصف: ندرة المياه النظيفة، ففي قطاع غزة المحاصر، تضاعف الألم الفلسطيني، حيث باتت كل "شربة ماء مفقودة" تحمل وزناً من المعاناة الإنسانية.
طوابير أطول من الليل: البحث عن قطرة نجاة
ويُظهر المشهد اليومي مئات العائلات - كباراً وصغاراً - يتكدسون في طوابير مكتظة أمام نقاط توزيع المياه، يحملون ما استطاعوا من أوانٍ وزجاجات، وعيونهم الشاحبة تسأل في صمت عن نصيبهم من قطرة تبل الظمأ.
قالت إحدى النازحات في تصريح مؤثر: "والله المياه بالعافية بنجيبها، ما بتكفيناش إلا لثلاثة أو أربعة أيام، وما فيش لا مياه مالحة ولا حلوة بتجينا، الأمور بعد النزوح تصعبت علينا".
وأضافت أخرى، بوجه يائس، أنهم باتوا يعيشون حرفياً على مياه البحر، وأوضحت: "عايشين على مية البحر، بنشرب بمية البحر، وبنغسل بمية البحر، وبنتحمّم بمية البحر"، ووصفت الوضع المعيشي بأنه انهار تماماً، مؤكدة: "مش قادرين نشتري خضرة ولا قادرين نشتري حاجة.. عايشين على كوباية الشاي".
الانتظار في هذه الطوابير يبدأ في ساعات الفجر الأولى.
وأشار أحد النازحين إلى أن أول صعوبة تواجههم هي "دور المياه"، متابعاً: "نحن ما بنصحى من النوم الساعة 3 الصبح، 3 ونص، بنصف على دور المي أول حاجة.. المياه شحيحة جداً، لدرجة أني صرت بتحمم في البحر".
"سلاح العطش": انتهاك للقانون الدولي
لم تعد أزمة العطش مجرد تهديد مؤقت، بل تحولت إلى سلاح حرب تستخدمه القوات الإسرائيلية، بحسب نشطاء ومنظمات إنسانية.
ويتم ذلك عبر:
استهداف البنى التحتية للمياه والصرف الصحي.
منع وصول الوقود اللازم لتشغيل محطات التحلية والآبار.
فرض حصار خانق يضرب الحياة من جذورها.
وفي هذا السياق، أعربت الأمم المتحدة عن قلقها البالغ إزاء "قيام إسرائيل عمداً بحرمان الفلسطينيين في غزة من الوصول إلى مياه الشرب الآمنة"، واصفة ذلك بأنه انتهاك خطير للقانون الدولي وجريمة ضد الإنسانية.
أحد النازحين الذي وصل إلى المنطقة الجنوبية ناشداً المساعدة، قال في حسرة: "نزحنا وجينا هنا، صرنا 10 أيام.. لا شفنا مية ولا شفنا حياة ولا شفنا أكل ولا شفنا شي.. لمين نشكي همنا؟ ما بنقول إلا يا رب من عندك أفرجها".