عاجل

ما حكم أخذ الزوجة وسائل منع الحمل بدون إذن من الزوج؟

منع الحمل
منع الحمل

الحكم أن منع الحمل حق مشترك بين الزوجين، فلا يجوز للزوجة أن تأخذ وسيلة لمنعه دون إذن زوجها، ولا يجوز للزوج أن يعطيها ما يمنع الحمل دون علمها، إلا عند وجود ضرورة شرعية معتبرة كخوف الضرر أو فساد الزمان.

قد يقوم أحد الزوجين باتخاذ ما يمنع الحمل عنه أو عن شريكه دون علمه أو رضاه، وتختلف الدوافع في مثل هذه الحالات، مما يثير التساؤل: هل الحكم الشرعي فيها واحد أم تتعدد الأحكام باختلاف الملابسات؟ وما هو الأصل في هذه المسألة؟ وهل توجد استثناءات تخرج عن هذا الأصل؟

ما حكم أخذ الزوجة وسائل منع الحمل بلا إذن من الزوج؟ 

الأصل أن الله تعالى قد فطر عباده على محبة الذرية والرغبة في النسل، فقال سبحانه:
﴿زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ﴾ [آل عمران: 14].
كما حكى الله تعالى عن أنبيائه وصفوته من خلقه أنهم كانوا يطلبون الذرية الصالحة، فقال تعالى عن زكريا عليه السلام: ﴿رَبِّ لَا تَذَرْنِي فَرْدًا وَأَنْتَ خَيْرُ الْوَارِثِينَ﴾ [الأنبياء: 89]، وقال عن إبراهيم عليه السلام: ﴿رَبِّ هَبْ لِي مِنَ الصَّالِحِينَ﴾ [الصافات: 100].

بل إن امرأة فرعون، آسية بنت مزاحم، وهي من النساء الكاملات كما جاء في الحديث الشريف، عبّرت عن حبها للولد بقولها: ﴿قُرَّةُ عَيْنٍ لِي وَلَكَ لَا تَقْتُلُوهُ عَسَى أَنْ يَنْفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا﴾ [القصص: 9].

ولهذا لم يترك الله تعالى وسيلة إيجاد النسل هملاً، بل قيدها بالطرق الشرعية المشروعة، فأباح الزواج وحرّم الفواحش حمايةً للأنساب والأعراض، فقال سبحانه: ﴿وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ ۞ إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ ۞ فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ﴾ [المؤمنون: 5-7]، وقال عز وجل: ﴿وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلًا﴾ [الإسراء: 32].

ومن هنا، شرع الله الزواج ليكون الإطار الوحيد للنسل، وحرم كل صور الاستلحاق غير الشرعي، حتى التبني الذي يخلو من شبهة الفاحشة، فقال تعالى: ﴿وَمَا جَعَلَ أَدْعِيَاءَكُمْ أَبْنَاءَكُمْ ذَلِكُمْ قَوْلُكُمْ بِأَفْوَاهِكُمْ وَاللهُ يَقُولُ الْحَقَّ وَهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ ۞ ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِندَ اللهِ﴾ [الأحزاب: 4-5].

وبناءً على ذلك، فإن طلب النسل أمر مشروع ومطلوب، ولا يُعد الحرص عليه من المكروهات، بل هو سنة الأنبياء والصالحين. ولهذا أفرد الفقهاء في كتب النكاح فصولًا تتعلق بمنع النسل بوسائل مؤقتة، سواء من جانب الزوج أو الزوجة.

الحكم الشرعي:


الأصل أنه لا يجوز لأحد الزوجين استخدام وسيلة لمنع الحمل دون إذن ورضا الطرف الآخر؛ لأن الولد حق مشترك بينهما، وليس لأحدهما أن ينفرد بتحديد النسل. والدليل على ذلك أن طلب الولد حاجة معتبرة لكل من الزوجين، بل هو مقصد من مقاصد الزواج. حتى أن بعض السلف اعتبروا العقم عيبًا يثبت به حق الفسخ. فقد قال الحسن البصري: إذا وجد أحد الزوجين الآخر عقيمًا فهو بالخيار. وذكر ابن قدامة في المغني  أن الإمام أحمد قال: “عسى امرأته تريد الولد”.

وقد وردت نصوص وآثار تدل على هذا المعنى، منها ما رواه ابن ماجه عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه: “نهى رسول الله ﷺ أن يعزل عن الحرة إلا بإذنها”، وله شواهد عن ابن عمر وابن عباس، وهو قول جمع من التابعين كعكرمة وسعيد بن جبير. وقد أكد ابن عبد البر أن إجماع العلماء انعقد على صحة هذا المعنى.

ولهذا نص كثير من الأئمة على أن العزل أو ما في معناه لا يجوز إلا برضا الزوجة، كابن قدامة في المغني، والخرشي المالكي في شرح مختصر خليل، والماوردي في الحاوي الكبير. وأكد ابن عابدين في رد المحتار أن للزوجة حقًا في الولد، ومنع الحمل دون رضاها فيه إضرار بها، فكان ممنوعًا.

الاستثناءات:
ومع ذلك، أجاز بعض الفقهاء الانفراد بالقرار في حال وجود ضرورة شرعية معتبرة، مثل:
• إذا كان في الحمل ضرر محقق على صحة الزوجة ولم يراع الزوج ذلك.
• إذا كان الزوج فاسقًا مستهترًا والزوجة ترجُو الفراق منه.
• إذا كان فساد الزمان أو البيئة يهدد صلاح الذرية وخيف عليهم من الانحراف والضياع.

وقد أشار فقهاء الحنفية وغيرهم إلى أن فساد الزمان قد يجعل العزل جائزًا حتى دون إذن الزوجة، كما جاء في الخانية والبحر الرائق والبزازية. وبيّن ابن عابدين أن هذا من تغيّر الأحكام بتغير الأحوال، وأن العذر المعتبر يسقط شرط الإذن.

تم نسخ الرابط