بين جدران مبنى الأمم المتحدة في نيويورك، حيث تتداخل الخرائط السياسية مع خطوط المصالح العليا للدول، يجلس مجلس الأمن كحارس متعدد الرؤوس للنظام الدولي، مفترضاً فيه منع نشوب الحروب وحل النزاعات التي تمزق عالمنا لكن مراقبة الأدائه في النزاعات الجارية اليوم تكشف عن فجوة هائلة بين ما هو منصوص عليه في الميثاق وما يحدث على أرض الواقع، لتبدو الصورة وكأنها مسرحية تراجيدية تتكرر مشاهدتها مع كل أزمة جديدة دون أن يتعلم الجمهور نهايتها المحتومة ان تقييم دور المجلس يشبه مشاهدة رجل عجوز يحاول كبح جماح قطار سريع بيديه العاريتين النية قد تكون موجودة، لكن الأدوات غير مجدية والإرادة مشلولة .
في قلب هذه المعضلة تقع لعنة الفيتو، ذلك الحق المخول لخمس دول فقط، الذي يحول المجلس من منبر للعمل الجماعي إلى ساحة لتصفية الحسابات الجيوسياسية ففي سوريا، حيث شهد العقد الماضي واحدا من أكثر الصراعات دموية في القرن الحادي والعشرين، شاهد العالم كيف يمكن للفيتو أن يحول القضية برمتها إلى رقم في حسابات القوى العظمى جلس مندوبو الدول الخمس يناقشون بينما كانت المدن تتدمر والسكان يُحاصرون وغاز السارين يستخدم ضد المدنيين دون تحقيق وقف لإطلاق النار أو السماح بوصول المساعدات الإنسانية اصطدم بحائط الفيتو المزدوج، ليتحول المجلس إلى مسرح لإهانة الضمير الإنساني، حيث أصبحت حماية النظام من المساءلة وأهم من حماية المدنيين من الموت لم يكن العجز هنا تقنياً بل أخلاقياً وسياسياً، مما كرس رسالة مفادها أن بعض الأرواح أقل قيمة من مصالح الدول دائمة العضوية وكذلك الحال ما يرتكب في فلسطين من جرائم ضد الانسانية دون اتخاذ قرار جرى يثبت للعالم ان القيم التي تروج لها الامم المتحدة المنصوص عليها بميثاقها مجرد نصوص ورقية ليس لها قيمة امام حق الفيتو والمتحكم فيه الدول العظمى وخاصة امريكا وان القيمة الوحيدة التي تحكم العالم هي المصالح لا القيم الانسانية والاخلاقية .
لم تكن الأزمة الأوكرانية أفضل حالاً، فقد انقسم المجلس انقساماً جوهرياً منذ اللحظة الأولى، ليعيد إنتاج نفس انقسامات الحرب الباردة ولكن بخطاب حديث تحولت الجلسات إلى منابر للخطابات التصادمية وتبادل الاتهامات، بينما كان الغزو يستعر على الأرض هنا، لم يكن الفيتو مجرد أداة لحجب القرارات، بل أصبح أداة لتعطيل أي عمل ذي معنى، مما جعل المجلس مشلولاً تماماً وغير قادر حتى على إصدار بيان مشترك يدين العنف هذا العجز لم يمنع فقط من اتخاذ إجراءات جماعية، ولكنه أيضاً أضفى شرعية ضمنية على منطق القوة، حيث أدركت الأطراف المتحاربة أن المجلس لن يفعل شيئاً لوقفها، فاتسعت هوة الأمان بفعل فشل الحارس المفترض.
لكن الدور لا يخلو تماماً من ومضات ضوء خافتة، وإن كانت نادرة ففي بعض الحالات، حيث توجد إرادة سياسية متقاربة ولو بشكل هش، استطاع المجلس أن يبرم صفقات لإنشاء ممرات إنسانية أو تفويض بعثات حفظ سلام محدودة الأجل، كما حدث في بعض الصراعات الأفريقية هذه الإجراءات، رغم محدوديتها الشديدة، تنقذ أرواحاً وتوفر الحد الأدنى من الأمل، لكنها غالباً ما تكون مجرد مسكنات مؤقتة لا تعالج جذور الصراع إنها تثبت أن المجلس قادر على العمل عندما تتم محاذاة النجوم السياسية، لكنها تثبت أيضاً أن عمله مشروط بإرادة الحكام وليس بحاجة المحكومين
في النهاية، يبدو مجلس الأمن في النزاعات الجارية كتمثال ضخم من الرخام، مهيب المظهر لكنه بلا حراك لقد أصبح سجيناً لبنية النظام الدولي الذي ساعد في تشكيله منذ عام ١٩٤٥، عاجزاً عن التكيف مع تحولات القوة والتعقيدات الجديدة للصراعات قيمته لم تعد تكمن في قدرته على حل النزاعات فهذه القدرة معطلة بشكل منهجي بل تحولت إلى كونه مرآة عاكسة لتوازنات القوى العالمية ومصالحها المتضاربة هو منبر للخطاب والدبلوماسية العلنية، لكنه نادراً ما يكون منبراً للفعل يشهد على الأزمات لكنه لا يوقفها يسمع صراخ الضحايا لكن صوته مجرد همسة في عاصفة السياسة وجوده ضروري كرمز للنظام، ولكن غيابه الفعال هو إدانة صارخة لنظام عالمي يعطي للقوة حق النقض ضد العدالة والقيم الانسانية والاخلاقية .