عاجل

هل تبطل الصلاة المفروضة إذا دعا الشخص بقضاء حاجة من حوائج الدنيا؟

الدعاء داخل الصلاة
الدعاء داخل الصلاة

الدعاء في الصلاة من أسمى لحظات القرب بين العبد وربه، فهو مناجاة صادقة بين يدي الخالق عز وجل. وكثيرًا ما يتساءل المصلون: هل يقتصر الدعاء أثناء الصلاة على أمور الآخرة فقط؛ كطلب المغفرة والجنة والنجاة من النار؟ أم يجوز أن يرفع المسلم حاجاته الدنيوية أيضًا؛ كالنجاح في عمل، أو شفاء مريض، أو قضاء دين وغيرهم؟


ما حكم الدعاء داخل الصلاة بقضاء حاجة من حوائج الدنيا،؟

أخرج البخاري ومسلم وغيرهما عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم علّمه التشهد، ثم قال في آخره: «ثُمَّ يَتَخَيَّرُ مِنَ الدُّعَاءِ أَعْجَبَهُ إِلَيْهِ، فَيَدْعُو»، وفي رواية للبخاري: «ثُمَّ يَتَخَيَّرُ مِنَ الثَّنَاءِ مَا شَاءَ»، وفي رواية لمسلم: «ثُمَّ لْيَتَخَيَّرْ بَعْدُ مِنَ الْمَسْأَلَةِ مَا شَاءَ أَوْ مَا أَحَبَّ».

وقد أوضح الإمام النووي في الأذكار :أن هذا الدعاء في التشهد الأخير سنةٌ وليس فرضًا، ويُستحب إطالته ما لم يكن المصلي إمامًا، وله أن يدعو بما شاء من خيري الدنيا والآخرة، سواء أكان بالدعوات المأثورة أم بغيرها، غير أن المأثور أولى وأكمل.

وبيّن الحافظ ابن حجر في فتح الباري أن في هذا الحديث دليلًا على جواز الدعاء في الصلاة بما يختاره المصلي من مطالب الدنيا والآخرة.

وقال الشوكاني في تحفة الذاكرين بعدة الحصن الحصين : فيه دلالة على أن المصلي يُفوَّض له أن يدعو بما شاء؛ سواء من الأدعية المأثورة أو مما يجري على لسانه، فيسأل ربه حوائجه في الدنيا والآخرة، ويطيل أو يقتصر، ولا حرج في شيء من ذلك، ما لم يكن الدعاء فيه إثم أو قطيعة رحم.

كما روى مسلم عن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «أيها الناس، إنه لم يبق من مبشرات النبوة إلا الرؤيا الصالحة يراها المسلم أو تُرى له، ألا وإني نُهيت أن أقرأ القرآن راكعًا أو ساجدًا، فأما الركوع فعظّموا فيه الرب عز وجل، وأما السجود فاجتهدوا في الدعاء، فقَمِنٌ أن يُستجاب لكم».

قال المناوي في فيض القدير : الأمر بالإكثار من الدعاء في السجود يتناول طلب كل حاجة، حتى ورد في حديث الترمذي: «ليسأل أحدكم ربه حاجته كلها حتى شسع نعله».

وفي المعنى نفسه قال المباركفوري في مرعاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح: هذا الحديث دليل على مشروعية الدعاء في السجود بكل ما فيه خير الدنيا والآخرة، وكذلك الاستعاذة من شرهما.

وقد نقل العلماء ذلك عن جمع كثير من السلف من غير نكير، حتى صار في حكم الإجماع. قال ابن علان الصديقي في الفتوحات الربانية على الأذكار النواوية عند شرحه لكلام النووي: إن الشافعي قوّى جواز الدعاء بأمور الدنيا وبغير المأثور، وقد وافقه على ذلك جماعة، وإذا انضم قولهم إلى ما نُقل عن ابن عمر رضي الله عنهما كان كالإجماع، إذ لم يُعرف لهم مخالف. وروي أن ابن شبرمة كان يرى جواز الدعاء في الصلاة المفروضة بأمر الآخرة فقط دون الدنيا، فاعترض عليه ابن عون بقوله: أليس في القرآن: ﴿وَاسْأَلُوا اللهَ مِنْ فَضْلِهِ﴾ [النساء: 32]؟ فسكت. وبهذا قال المالكية أيضًا: بجواز الدعاء بخيري الدنيا والآخرة في الصلاة.

تم نسخ الرابط