عاجل

ما حكم الأذان والإقامة للمنفرد؟.. دار الإفتاء توضح

حكم الأذان
حكم الأذان

يظل الأذان والإقامة من أبرز شعائر الإسلام التي تعكس قدسية الصلاة ومكانتها في حياة المسلمين، فما حكم الأذان والإقامة للمنفرد؟

يُعَدّ الأذان والإقامة من السُّنن المرتبطة بالصلاة، ويُستحب للمسلم أن يأتي بهما سواء كان في الحضر أو في السفر، منفردًا أو في جماعة، حتى وإن لم يكن يتوقع انضمام آخرين إليه؛ وذلك لما ورد في النصوص الشرعية من الحث على الأذان وبيان فضله، وما أُعِدَّ للمؤذنين من الأجر والثواب الجزيل.

فقد روى أبو سعيد الخدري رضي الله عنه أنه قال لأبي صَعصَعة رضي الله عنه: «إني أراك تحب الغنم والبادية، فإذا كنت في غنمك أو باديتك فأذنت للصلاة فارفع صوتك، فإنه لا يسمع مدى صوتك جِنّ ولا إنس ولا شيء إلا شهد لك يوم القيامة»، ثم قال أبو سعيد: سمعته من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم. أخرجه البيهقي في معرفة السنن والآثار.

كما جاء عن عُقبة بن عامر رضي الله عنه أنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: «يعجب ربك من راعي غنم في رأس شظية من جبل يؤذن للصلاة ويصلي، فيقول الله: انظروا إلى عبدي هذا يؤذن ويقيم الصلاة يخافني، قد غفرت لعبدي وأدخلته الجنة». أخرجه أبو داود والنسائي، واللفظ له

فضل الأذان وعِظَم أجره

الأذان شعيرة عظيمة من شعائر الإسلام، وهو إعلان بدخول وقت الصلاة، ودعوة صريحة للمسلمين لإقامتها. فقد ورد في الحديث الصحيح عن مالك بن الحويرث رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «إذا حضرت الصلاة فليؤذن لكم أحدكم» متفق عليه.

وقد جاء في نصوص كثيرة حثّ النبي صلى الله عليه وآله وسلم على الأذان، ورغّب فيه، وبيّن ما يترتب على أدائه من الثواب الجزيل. ومن ذلك ما رواه أبو هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: «لو يعلم الناس ما في النداء والصف الأول، ثم لم يجدوا إلا أن يستهموا عليه لاستهموا» متفق عليه.

ومعنى الحديث: لو أدرك الناس مقدار الفضل المترتب على الأذان والصف الأول، لتسابقوا إليه أشد التنافس، حتى لو لم يجدوا وسيلة إلا القرعة لفعلوا؛ حرصًا على تحصيل الثواب.

وعن معاوية رضي الله عنه أنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: «المؤذنون أطول الناس أعناقًا يوم القيامة» رواه مسلم.

وهذا الحديث يوضح مكانة المؤذنين ورفعة منزلتهم عند الله، وقد فسّره العلماء بوجوه متعددة؛ منها أن معناه: أنهم أكثر الناس انتظارًا لرحمة الله، أو أنهم قادة وسادة، أو أنهم أكثر الناس حسنات، كما ذكر الإمام النووي وغيره.

حكم أذان المنفرد في السفر والحضر

الأذان شُرع في الأصل ليكون إعلانًا بدخول وقت الصلاة وتنبيهًا للمسلمين للاستعداد لها والالتحاق بالجماعة في المساجد. فإذا كان المصلي منفردًا ولا يوجد معه أحد، فقد يرى البعض أن العلة الأصلية للأذان –وهي الإعلام– قد انتفت.
لكن مع ذلك، ذهب جمهور الفقهاء من الحنفية والشافعية والحنابلة، ومعهم المالكية في أحد القولين، إلى استحباب الأذان للمنفرد سواء كان في حضر أو سفر. واعتبروا أن الأذان ليس مجرد وسيلة إعلامية، بل هو شعيرة ظاهرة من شعائر الإسلام، وإحياء لذكر الله، فيبقى مستحبًا حتى لو لم يوجد من يُنادى.

وقد نقل ابن عابدين الحنفي أن الأذان يُشرع حتى للمنفرد، أداءً أو قضاءً، سفرًا أو حضرًا. وذكر الخَرَشي المالكي أن الأذان ذكر، ولا يُنهى عن الذكر لمن أراده. وأكد النووي أن مذهب الشافعية هو استحباب الأذان لكل صلاة، في جماعة أو منفردًا، حضرًا أو سفرًا. وكذلك الحنابلة الذين صرّحوا بأنه مشروع لكل مصلٍّ.

أما القول الآخر عند المالكية، فقد ذهب فيه بعض أئمتهم مثل ابن عرفة واللخمي إلى أن المنفرد في الحضر، أو الجماعة التي لا تنتظر أحدًا، لا يُستحب لهم الأذان، بل يُكتفى بالإقامة، معتبرين أن الأذان مقصوده الإعلام، فلا حاجة له إذا لم يوجد من يُنادى. وهذا القول قُيِّد بالكراهة.

القول الراجح في الفتوى

الرأي المختار للإفتاء هو ما ذهب إليه جمهور الفقهاء من استحباب الأذان للجماعة والمنفرد، في السفر والحضر على السواء؛ لعموم الأحاديث الواردة في فضله، مثل حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «إذا كنت في غنمك أو باديتك فأذنت للصلاة فارفع صوتك، فإنه لا يسمع مدى صوتك جن ولا إنس ولا شيء إلا شهد لك يوم القيامة» رواه البيهقي.

وفي هذا دلالة واضحة على أن الأذان ليس مجرد نداء للناس، بل عبادة بحد ذاتها، وشهادة للمؤذن يوم القيامة، ولو كان منفردًا في مكان بعيد.

كما جاء في الأثر أن أنس بن مالك رضي الله عنه دخل مسجدًا قد صُلي فيه، فأذّن وأقام وصلّى، مما يدل على مشروعية الأذان حتى مع عدم وجود جماعة.

حكم الإقامة للمنفرد

أما الإقامة، فقد أجمع الفقهاء على استحبابها للمنفرد كما للجماعة؛ فهي مؤكدة عند الجميع. واستدلوا بحديث عقبة بن عامر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «يعجب ربك من راعي غنم في رأس شظية جبل يؤذن للصلاة ويصلي، فيقول الله: انظروا إلى عبدي هذا يؤذن ويقيم الصلاة يخافني، قد غفرت لعبدي وأدخلته الجنة» رواه أبو داود والنسائي.

قال الشُّرُنْبُلَالي الحنفي: الإقامة سُنة مؤكدة حتى للمنفرد. وصرح الخَرَشي المالكي بأنها سنة للجماعة والفرد على السواء. وأكد الرملي الشافعي أن الأذان والإقامة سنة عين حتى للمنفرد. ونص البهوتي الحنبلي على أن الإقامة مشروعة لكل مصلٍّ، سواء صلى منفردًا أو مع جماعة

تم نسخ الرابط