فرص ومخاطر.. كيف تجذب الأسواق الناشئة الأموال الساخنة بعد خفض الفائدة الأمريكي
خبير اقتصادي: الأموال الساخنة ذات طبيعة قصيرة الأجل ويجب استغلالها بذكاء

مع إعلان مجلس الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي عن خفض أسعار الفائدة، تتجه أنظار المستثمرين العالميين إلى الأسواق الناشئة، باعتبارها الوجهة الأكثر جاذبية لرؤوس الأموال الباحثة عن عوائد مرتفعة، وبينما تنخفض العوائد على أدوات الدين الأمريكية، تصبح الاقتصادات الصاعدة أمام فرصة ذهبية لاستقطاب ما يُعرف بـ"الأموال الساخنة"، التي تتحرك بسرعة نحو الأسواق الأكثر إغراءً في ظل فروق العائد.
بعض الخبراء يرون أن خفض الفائدة الأمريكية يمثل "نافذة مؤقتة" أمام الاقتصادات الصاعدة لجذب رؤوس الأموال، لكن عليهم الإسراع في استغلالها.
وآخرون يحذرون في تصريحات خاصة لموقع «نيوز رووم» من أن الإفراط في الاعتماد على الأموال الساخنة قد يضع الدول تحت رحمة المستثمرين الأجانب، بدلاً من الاعتماد على استثمارات طويلة الأجل.
الأموال الساخنة هي تدفقات رأسمالية قصيرة الأجل، تتحرك بسرعة بين الدول بحثًا عن أعلى عائد وأفضل فرصة استثمارية، خاصة في أدوات الدين والأسواق المالية.
وعندما يخفض الفيدرالي الفائدة، يقل العائد على السندات الأمريكية، ما يدفع المستثمرين إلى البحث عن بدائل أكثر ربحية، وغالبًا ما تكون في الأسواق الناشئة حيث معدلات الفائدة أعلى.
وفي سياق متصل أوضح حسن الصادي الخبير الاقتصادي أن خفض الفيدرالي للفائدة يمثل فرصة مهمة لاقتصادات ناشئة مثل مصر، نظرًا لأن المستثمرين الدوليين دائمًا ما يقارنون بين عوائد الاستثمار في السندات الأمريكية والأدوات المحلية، ومع انخفاض العائد الأمريكي يصبح الاستثمار في أدوات الدين المصرية أكثر إغراءً.
وأضاف«الصادي» أن هذه التدفقات يمكن أن تساهم في تعزيز احتياطيات النقد الأجنبي بالبنك المركزي، وتوفر متنفسًا لسوق الصرف، وهو ما ينعكس بدوره على استقرار الأسعار وكبح جماح التضخم المستورد.
حذر من أن هذه الأموال ذات طبيعة قصيرة الأجل، وبالتالي يجب أن تكون هناك سياسات ذكية لاستغلالها في دعم الاحتياطيات وتمويل عجز الميزان التجاري، بدلًا من الاعتماد عليها كمصدر دائم لتمويل الاقتصاد.
ومن جهه أخرى أكدت سهر الدماطي الخبيرة المصرفية ، أن خفض الفائدة الأمريكية يشكل بيئة مواتية للبنوك المركزية في الأسواق الناشئة، حيث تزداد قدرتها على جذب الاستثمارات في أدوات الدين الحكومية، خاصة إذا كانت تقدم أسعار فائدة مرتفعة مقارنة بالأسواق المتقدمة.
وأشارت«الدماطي» إلى أن هذه التدفقات قد تخلق حالة من النشاط في أسواق المال، وتزيد من ثقة المستثمرين الأجانب في الاقتصاد، وهو ما يمكن أن ينعكس على زيادة إصدارات السندات المحلية والدولية، وتحسن تصنيف الجدارة الائتمانية.
وشددت على أهمية ألا تكتفي الدول بجذب الأموال الساخنة، بل يجب أن تستغل هذه المرحلة في جذب استثمارات أجنبية مباشرة طويلة الأجل، قادرة على خلق فرص عمل وتعزيز الإنتاج المحلي، حتى لا يصبح الاقتصاد أسيرًا لتحركات رؤوس الأموال قصيرة الأجل.
فرص الأسواق الناشئة بعد خفض الفيدرالي
1. زيادة تدفقات المحافظ الاستثمارية: دول مثل مصر، البرازيل، تركيا، وجنوب أفريقيا قد تستفيد من ارتفاع شهية المستثمرين تجاه أدوات الدين المحلي.
2. تحسن سعر الصرف: التدفقات الأجنبية تعزز المعروض من العملات الأجنبية، ما قد يدعم استقرار أو تحسن قيمة العملة المحلية.
3. دعم أسواق المال: البورصات الناشئة تشهد عادة ارتفاعات قوية نتيجة دخول أموال المؤسسات والصناديق الدولية الباحثة عن عوائد سريعة.
المخاطر التي تلاحق الأموال الساخنة
رغم المكاسب، فإن الاعتماد على هذه التدفقات يحمل مخاطرة كبيرة، نظرًا لكونها سريعة الخروج كما هي سريعة الدخول، ما يضع الاقتصادات أمام تحدي "الصدمة العكسية" إذا رفع الفيدرالي الفائدة مجددًا أو حدث اضطراب عالمي.
ولذلك تحتاج الأسواق الناشئة إلى استثمار تلك التدفقات في بناء احتياطيات نقد أجنبي قوية، أو توجيهها لتمويل مشروعات إنتاجية تحد من تقلبات رأس المال.
وتُعد مصر واحدة من أبرز الوجهات المستهدفة للأموال الساخنة في المنطقة، نظرًا لارتفاع أسعار الفائدة على أدوات الدين الحكومية مقارنة بالأسواق المتقدمة. ومع خفض الفيدرالي للفائدة، يصبح الفرق في العائد أكبر، ما يمنح مصر ميزة نسبية في جذب استثمارات المحافظ الأجنبية.
إضافة إلى ذلك، فإن مصر تمتلك برنامج إصلاح اقتصادي مدعوم من المؤسسات الدولية، وهو ما يزيد من ثقة المستثمرين. ومع ذلك، يبقى التحدي الأكبر أمامها هو استدامة هذه التدفقات وتحويلها إلى فرص استثمارية مباشرة في قطاعات إنتاجية.
وتركيا بدورها تشهد وضعًا مختلفًا، فهي تقدم أسعار فائدة مرتفعة بشكل كبير في محاولة للسيطرة على التضخم، ما يجعلها جاذبة بشكل كبير للأموال الساخنة. لكن المخاطر السياسية والاقتصادية، وعدم استقرار العملة، قد تحد من قدرة أنقرة على الحفاظ على هذه التدفقات لفترة طويلة.
أما البرازيل، فهي تتمتع باقتصاد أكثر استقرارًا نسبيًا، ومع معدلات فائدة ما زالت مرتفعة مقارنة بالولايات المتحدة، تظل إحدى الوجهات المفضلة للمستثمرين الدوليين، ميزة البرازيل تكمن في قوة أسواقها المالية وحجم اقتصادها الكبير، لكن التحديات الداخلية مثل النمو البطيء والديون تظل حاضرة.
ويشكل قرار الفيدرالي الأمريكي بخفض الفائدة سلاحًا ذا حدين بالنسبة للأسواق الناشئة فهو من جهة يفتح الباب أمام تدفقات مالية ضخمة قد تدعم الاقتصاد، لكنه في الوقت ذاته يفرض تحديًا على صانعي السياسات لاستثمار هذه الأموال بحكمة، حتى لا تتحول من نعمة مؤقتة إلى أزمة عند أول انعكاس في دورة الفائدة العالمية.