عاجل

منذ أكثر من سبعة عقود، تقف مصر في مقدمة الصفوف الداعمة للقضية الفلسطينية، بثبات لا يتزعزع، وبمواقف لم تهتز رغم تعاقب الأجيال والأنظمة. لم يكن هذا الدعم مجرد شعار سياسي، بل مواقف متجذّرة في الوجدان الوطني، وتضحيات صادقة عبّرت عنها دماء جنود، وتحركات دبلوماسية، ومبادرات إنسانية مستمرة.
منذ لحظة إعلان قيام إسرائيل عام 1948، اعتبرت مصر أن ما يحدث في فلسطين لا يخصّ الفلسطينيين وحدهم، بل هو تهديد مباشر للأمن القومي العربي. ولذلك، شاركت في جميع الحروب التي اندلعت على خلفية الصراع العربي الإسرائيلي، وقدّمت تضحيات كبيرة في الأرواح والموارد. وظل الموقف السياسي المصري منحازًا بشكل واضح للحق الفلسطيني في إقامة دولة مستقلة عاصمتها القدس الشرقية، ورفض جميع محاولات طمس الهوية أو التوطين أو التهجير.
السياسة الخارجية المصرية... ثوابت لا تتغير
رغم التحديات الإقليمية والضغوط الدولية، حافظت السياسة المصرية على نهجها المتوازن تجاه فلسطين. تبنّت القاهرة منذ عقود موقفًا يرفض أي حلول جزئية لا تحقق الحد الأدنى من حقوق الشعب الفلسطيني، وفي مقدمتها حق العودة، وقيام الدولة، ووقف الاستيطان.
كما التزمت مصر بلعب دور الوسيط النزيه في النزاعات المتكررة، مقدّمة مبادرات تهدئة، وساعية بكل جهد لرأب الصدع الفلسطيني الداخلي، وإعادة اللحمة بين الفصائل، في محاولات لا تعرف اليأس رغم تعقيد المشهد وتشابك المصالح.
النضال لا يقتصر على الميدان العسكري
لم تكن تضحيات مصر من أجل فلسطين عسكرية فقط، بل شملت مجالات متعددة، أبرزها الجهود السياسية والدبلوماسية، سواء على مستوى الأمم المتحدة أو الجامعة العربية أو اللقاءات الثنائية. وكانت القاهرة دائمًا صوتًا عاقلاً في مواجهة موجات التصعيد، ومركزًا للحوار حين تتعثر سبل السلام.
وفي كل مرة يتصاعد فيها العدوان، تتحرك مصر إنسانيًا لفتح المعابر، وتسيير القوافل، واستقبال الجرحى، ومساعدة المتضررين. المعبر الوحيد الخارج عن السيطرة الإسرائيلية كان ولا يزال شريان حياة لسكان قطاع غزة، تديره مصر بحكمة وتوازن.
احتضان شعبي لا يقل عن الموقف الرسمي
لم يقتصر الدعم على الموقف الرسمي، بل امتد إلى وجدان الشعب المصري، الذي عبّر عن تضامنه مع الفلسطينيين في كل مرحلة. احتضنت مصر ملايين الفلسطينيين على أراضيها، وقدّمت لهم فرص التعليم والعمل، دون أن تفصلهم عن بيئتهم أو تقيدهم بقيود اللجوء، بل عاملتهم كمقيمين لهم حقوق وكرامة.
تحديات واتفاقيات... والموقف لا يتغيّر
حتى في ظل الاتفاقيات السياسية التي وُقعت تحت ضغوط الحرب والسلام، حافظت مصر على مساحة تحفظ فيها على ثوابتها تجاه فلسطين. بعض البنود والملحقات لم تكن مرضية أو واضحة، لكنها لم تمنع القاهرة من ممارسة دورها العربي، ودعمها المتواصل للقضية، ضمن ما تسمح به الظروف والمعادلات الدولية.
وظل الموقف المصري في المحافل الدولية داعمًا بلا تردّد، رافضًا لأي التفاف على القرارات الدولية، ومطالبًا دوماً بتطبيق القانون الدولي، رغم استخدام الفيتو المتكرر لعرقلة أي مساءلة للاحتلال.
منذ عقود، ترفض مصر فكرة التوطين أو إسقاط حق العودة، وتتمسك بأن لا حل عادلاً إلا بقيام دولة فلسطينية ذات سيادة كاملة على حدود 1967. وترى في القدس الشرقية عاصمة لا يمكن التنازل عنها أو المساومة عليها. وهي مواقف عبّرت عنها مرارًا في كل المحافل والمبادرات.
كما شددت في كل مرحلة على ضرورة أن يكون هناك موقف عربي وإسلامي موحد، لا يكتفي بالتنديد والشجب، بل يترجم إلى إجراءات حقيقية تضغط لوقف العدوان، وإنهاء الاحتلال، وتمكين الفلسطينيين من حقوقهم المشروعة.
لم تكن مصر يومًا على هامش القضية الفلسطينية. بل كانت في قلبها، سياسيًا وشعبيًا، منذ اللحظة الأولى. قد تختلف أدوات العمل، وتتغير أساليب الصراع، لكن مصر لم تتغيّر.
وفي زمن أصبحت فيه بعض المواقف رمادية، وبعض الأصوات باهتة، تظل القاهرة حاضنة للقضية، ومتمسكة بمسار لا تحيد عنه: أن لا سلام حقيقي دون عدالة للفلسطينيين، ولا استقرار إقليمي دون قيام دولتهم المستقلة.
التاريخ يشهد، والواقع يؤكد، أن مصر لم تكن مجرد داعم، بل شريك حقيقي في نضال لا ينكسر.

تم نسخ الرابط