أوبك في عيدها الـ 65.. دروس الماضي ورهانات المستقبل مع تحولات الطاقة

في مثل هذا اليوم من عام 1960، اجتمعت خمس دول منتجة للنفط – السعودية، العراق، إيران، الكويت، وفنزويلا – لتضع اللبنة الأولى لمنظمة البلدان المصدّرة للبترول (أوبك). على مدى أكثر من ستة عقود، تحولت المنظمة من مجرد تكتل ناشئ إلى لاعب رئيسي في سوق الطاقة العالمي، تملك القدرة على ضبط موازين العرض والطلب والتأثير المباشر على الاقتصاد الدولي.
وخلال رحلتها، واجهت أوبك أزمات حادة، من تقلبات أسعار النفط، إلى حروب إقليمية، وصولًا إلى تداعيات الجائحة العالمية، لكنها ظلت قادرة على الصمود وتثبيت مكانتها كمرجعية للطاقة التقليدية. اليوم، وبعد 65 عامًا، يطرح المشهد العالمي تحديات جديدة للمنظمة، أبرزها التحول نحو الطاقة النظيفة، وضغوط الاقتصادات الكبرى للحد من الاعتماد على الوقود الأحفوري.
شعار خالد وهوية راسخة
بعيدًا عن أرقام الإنتاج والاحتياطي، ظلت الهوية البصرية لأوبك راسخة في الذاكرة. شعارها الأزرق الشهير الذي صممته النمساوية غيرترود سفوبودا عام 1969، أصبح علامة فارقة في عالم الطاقة، يرمز إلى وحدة المنتجين واستقلال قرارهم. هذا الشعار لم يكن مجرد تصميم فني، بل انعكاسًا لفلسفة المنظمة القائمة على البساطة والوضوح والاستمرارية.
فيينا.. القلب النابض للقرار النفطي
منذ نقل مقر أوبك من جنيف إلى فيينا عام 1965، تحولت العاصمة النمساوية إلى مسرح لصياغة القرارات التي تهز أسواق النفط العالمية. ومنذ ذلك التاريخ، ارتبط اسم أوبك بعاصمة الحياد الأوروبي، التي احتضنت مئات الاجتماعات والقمم، ورسخت علاقة خاصة بين المنظمة والمجتمع النمساوي.
مصر والتحولات في شرق المتوسط
وبينما تحتفل أوبك بذكراها الخامسة والستين، تبرز مصر لاعبًا مهمًا في مشهد الغاز شرق المتوسط. فالقاهرة، التي ليست عضوًا في المنظمة، تتحرك بخطوات متسارعة على صعيد التنقيب والإنتاج.
ففي الأسابيع الأخيرة وحدها، شهد البحر المتوسط ثلاث تحركات استراتيجية لمصر في ملف الغاز، تعكس إصرارها على تعزيز مكانتها كمركز إقليمي للطاقة، وتوظيف موقعها الجغرافي وبنيتها التحتية في خدمة أمن الطاقة الأوروبي والعالمي.
تحديات أوبك المقبلة
تواجه المنظمة اليوم ثلاثة مسارات متشابكة:
1. الأسعار والإنتاج: كيف تحافظ أوبك على استقرار السوق في ظل تذبذب الطلب العالمي؟
2. التحول الطاقي: إلى أي مدى ستنجح المنظمة في التكيف مع خطط الحياد الكربوني بحلول 2050؟
3. العلاقات الجيوسياسية: هل تبقى أوبك قادرة على تجاوز الخلافات الداخلية والتكتلات المنافسة مثل منتجي النفط الصخري؟
في الذكرى الـ65، تبدو أوبك أمام مفترق طرق جديد. فكما نجحت في الماضي في فرض كلمتها على القوى الاقتصادية الكبرى، يتعين عليها اليوم أن تجد لنفسها مكانًا في عالم يتجه بسرعة نحو الطاقة النظيفة. أما مصر، فترى في هذه التحولات فرصة لإبراز موقعها كلاعب إقليمي في معادلة الطاقة العالمية، ليس بالنفط، بل بالغاز الطبيعي وبنيتها التحتية العابرة للقارات.