في قلب صعيد مصر، تقع مدينة المراغة بمحافظة سوهاج، وهي ليست مجرد مدينة تقليدية، بل هي تاريخ نابض بالحياة، وموطن لكوكبة من العلماء والمفكرين والقيادات في شتى المجالات. وقد لمع اسمها في سماء الوطن العربي والإسلامي بفضل أبنائها الذين تخرجوا من رحمها ليصبحوا رموزًا بارزة في الدين، والقانون، والتعليم، والطب، والسياسة، وغير ذلك من التخصصات.
المراغة: موطن الشيخ الأكبر "المراغي"
لا يمكن الحديث عن مراغة دون الوقوف عند أحد أعظم رموزها: الشيخ مصطفى عبد الرازق المراغي، الإمام الأسبق للأزهر الشريف، وأحد أبرز المجددين في الفكر الإسلامي في العصر الحديث. وُلد الشيخ المراغي في المراغة، وتلقى علومه الأولى هناك قبل أن يكمل مسيرته العلمية في الأزهر الشريف، حيث تميز بفكره المستنير، وسعيه الدائم نحو تطوير التعليم الأزهري، وتحديث مناهج الفقه، وفتح أبواب الاجتهاد بما يتواكب مع متغيرات العصر.
عرف عن الشيخ المراغي دعمه لفكرة الإصلاح الديني، ومحاولاته الجادة لجعل الأزهر مؤسسة أكثر انفتاحًا، وكان له أثر بالغ في قضايا الأحوال الشخصية، وحقوق المرأة، والعلاقات بين الأديان. وظل طوال مسيرته رمزًا من رموز التوازن بين الأصالة والمعاصرة، حتى أصبح اسمه يُذكر في سجل العظماء الذين ساهموا في نهضة الفكر الإسلامي الحديث.
المراغة.. منبع الكفاءات في كل مجال
إلى جانب الشيخ المراغي، أنجبت مراغة عشرات الأسماء اللامعة في مجالات متعددة:
في الطب: خرج من مراغة أطباء متميزون خدموا مصر والعالم العربي في أرقى المستشفيات والمراكز البحثية.
في القانون: برز منها قضاة ومحامون مشهود لهم بالنزاهة والكفاءة.
في التعليم: لعب أبناء مراغة دورًا كبيرًا في نشر العلم والمعرفة، من خلال مواقعهم كمعلمين وأساتذة جامعيين.
في السياسة والإدارة: تبوأ كثير من أبناء مراغة مناصب قيادية في الدولة، وأسهموا في صنع القرار الوطني.
في الهندسة والعلوم: أثبت أبناء مراغة جدارتهم في مجالات الهندسة والتكنولوجيا والبحث العلمي.
سر تميز مراغة
قد يتساءل البعض: ما سر تميز هذه المدينة الصغيرة في الموقع، الكبيرة في الإنجاز؟
الجواب يكمن في قيمها المجتمعية الراسخة: تقديس العلم، واحترام الكبار، وحب العمل، والانتماء الشديد للأرض والوطن. كما أن وجود عدد كبير من الكتاتيب والزوايا والمساجد منذ القدم ساهم في تشكيل وعي ديني وثقافي متقدم، أفرز هذا الكم من العلماء والمفكرين.
ستبقى المراغة دائمًا عنوانًا للفخر، ونموذجًا مصريًا ناصعًا يجسد كيف يمكن للمدن الصغيرة أن تترك بصمة كبيرة في التاريخ. فهي بلدة المراغي، ومرتع القيادات، وموئل الفكر المستنير. ومثلما أخرجت مراغة رجالًا غيّروا وجه الفكر والمجتمع، فإنها لا تزال تنبض بالحياة، وتعد أجيالًا جديدة قادرة على حمل الراية، ومواصلة المسيرة.