«مصر وقطر».. علاقات أخوية تُترجم إلى شراكة استراتيجية واستثمارات بالمليارات

شهدت العلاقات بين مصر وقطر خلال الفترة الأخيرة تطورًا إيجابيًا ملحوظًا، تجسّد في وتيرة متنامية من تبادل الزيارات الرسمية واستئناف مسارات التعاون المشترك، بما يعكس حرص الجانبين على تعزيز العلاقات الثنائية بما يخدم مصالحهما المتبادلة وتطلعات شعبيهما.
ويأتي هذا التوجه في سياق الدور الاستراتيجي والمحوري الذي تضطلع به مصر في دعم الأمن والاستقرار والتنمية على المستوى الإقليمي، إضافة إلى التزامها الثابت بالدفاع عن قضايا الأمة العربية، وفي مقدمتها القضية الفلسطينية.

العلاقات المصرية القطرية علي الصعيد السياسي:
شهدت العلاقات السياسية بين القاهرة والدوحة تحسنًا ملحوظًا خلال السنوات القليلة الماضية، تُوّج بتبادل الزيارات رفيعة المستوى بين قيادتي البلدين، أخرهما زيارة وزير الخارجية الد كتور بدر عبد العاطي لدولة قطر الشقيقة ولقاءه بالأمير تميم بن حمد حاكم البلاد.
وخلال الزيارة نقل عبد العاطي للشيخ بن حمد تحيات وتقدير فخامة الرئيس السيسي لاخيه أمير قطر، وتضامن مصر ووقوفها الكامل الي جانب دولة قطر الشقيقة في أعقاب العدوان الإسرائيلي السافر الذي استهدف العاصمة القطرية الدوحة.
وجدد الوزير عبد العاطي إدانة مصر بأشد العبارات العدوان الاسرائيلى الغادر الذي يمثل انتهاكا صارخا لسيادة دولة قطر الشقيقة، وخرقا فاضحا لأحكام القانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة، مؤكدا أن هذا العدوان الصارخ يشكل سابقة خطيرة لا يستهدف دولة قطر الشقيقة فحسب وإنما تقويض الأمن الجماعي العربي، وأن المساس بأمن قطر يعد مساسا مباشرا بالأمن القومي العربي.

مصر تؤكد تضامنها الكامل إلى جانب قطر
وأكد وزير الخارجية تضامن مصر الكامل ووقوفها التام إلى جانب دولة قطر الشقيقة، قيادةً وحكومةً وشعبًا، في هذا الظرف الدقيق، وقدم التعازي للشيخ تميم بن حمد آل ثاني أمير دولة قطر للضحايا الذين سقطوا جراء هذا الهجوم المشين.
من جانبه، طلب الشيخ تميم بن حمد آل ثاني أمير دولة قطر، نقل تحياته وتقديره إلى رئيس الجمهورية عبد الفتاح السيسي علي مبادرة سيادته بالاتصال مع سموه في هذا الظرف الدقيق، معربا عن بالغ الاعتزاز والتقدير للموقف المصري الداعم لقطر، وما يجسده من تكليف سيادته لوزير الخارجية للقيام بهذه الزيارة من تضامن يعبر عن عمق العلاقات والروابط الأخوية بين البلدين الشقيقين.

تنسيق دبلوماسي مشترك
وقد انعكس ذلك في زيادة مستوى التنسيق بين وزارتي الخارجية، وتبادل وجهات النظر حول عدد من الملفات الإقليمية، بما في ذلك تطورات القضية الفلسطينية، والأزمات في السودان وليبيا، والأوضاع في غزة.
تتقاطع الرؤى المصرية والقطرية حول أهمية تعزيز العمل العربي المشترك، والدفاع عن القضايا المركزية للأمة العربية. وقد ظهر هذا بشكل كبير في المواقف المتوازنة التي اتخذها البلدان في المحافل الدولية، وحرصهما على دعم جهود التهدئة في مناطق النزاع، بما في ذلك دعم المبادرات الخاصة بوقف إطلاق النار في غزة، وتخفيف معاناة الشعب الفلسطيني.
كما تدرك قطر أهمية الدور الإقليمي الذي تلعبه مصر كدولة محورية في العالم العربي، في حين ترى القاهرة في قطر شريكًا إقليميًا ذا تأثير اقتصادي وإعلامي ودبلوماسي. هذا الإدراك المتبادل أسهم في خلق أرضية مشتركة لتقارب سياسي يمكن أن يؤسس لشراكة أوسع في المستقبل.

حجم الاستثمارات المصرية القطرية المشتركة
عقب التطور السياسي والدبلوماسي الذي شهدته العلاقات بين مصر وقطر في السنوات الأخيرة، تمّ تكثيف الجهود لتعزيز التعاون الاقتصادي والاستثماري بين البلدين.
ويأتي هذا في إطار مجموعة اتفاقيات ومبادرات تستهدف ضخ استثمارات قطرية مباشرة في مصر، بالإضافة إلى مشروعات مشتركة متنوعة.
أعلن رئيس الوزراء مصطفى مدبولي بدء تفعيل حزمة الاستثمارات القطرية المباشرة التي تقدر بقيمة 7.5 مليار دولار، في إطار دعم أوجه الشراكة الاقتصادية بين البلدين، تُنفَّذ على مراحل خلال السنوات المقبلة، في إطار خطط طموحة لتعزيز التعاون الاقتصادي والاستثماري بين البلدين.
وتستهدف الحزمة الجديدة عددًا من القطاعات الحيوية، أبرزها: الزراعة، الأمن الغذائي، التطوير العقاري، السياحة والخدمات، وهي مجالات تمثل أولوية لكلا البلدين في ظل التحديات الاقتصادية الإقليمية والدولية.
وذكرت صحيفة «The National» إن هذه الخطوة تأتي امتدادًا لسلسلة من الاتفاقيات السابقة، وتشير إلى رغبة مشتركة في دفع العلاقات الاقتصادية إلى مستويات أكثر تكاملًا، لا سيما في ما يتعلق بجذب الاستثمارات الخليجية إلى السوق المصري.

حجم الاستثمار الحالي
وبحسب للتقارير الأخيرة، فقد بلغت الاستثمارات القطرية المباشرة في مصر خلال السنوات العشر الأخيرة نحو 3.5 مليار دولار، مما يجعل قطر واحدة من أبرز الدول الخليجية المساهمة في الاقتصاد المصري.
أما في العام المالي 2023/2024، فقد وصلت الاستثمارات القطرية في مصر إلى نحو 618.5 مليون دولار، مقارنة بـ 548.2 مليون دولار في العام المالي السابق، في دلالة على نمو مطّرد في التدفقات الاستثمارية.
وفي المقابل، بلغت الاستثمارات المصرية في السوق القطري خلال نفس الفترة نحو 171.5 مليون دولار، مقارنة بـ 86.8 مليون دولار في السنة المالية 2022/2023، ما يشير إلى اتجاه متبادل نحو توسيع قاعدة التعاون الاستثماري.

مشروعات مشتركة قيد التنفيذ
كما أن هناك تحالف مصري-قطري لإنشاء مصنع حديد وتسليح في محافظة قنا، باستثمارات أولية تُقَدّر بنحو 100 مليون دولار، حيث توفّر الحكومة المصرية الأرض والبنية التحتية، بينما يساهم الجانب القطري في تمويل المعدات وخطوط الإنتاج.
ومشروع سياحي ضخم في منطقة الساحل الشمالي تحت إشراف جهاز قطر للاستثمار، بقيمة تقترب من 4 مليارات دولار، يحمل اسم "العالم الروم"، ويُتوقع أن يكون من أبرز المشاريع السياحية في المنطقة خلال السنوات المقبلة.
تؤكد المؤشرات الراهنة أن الشراكة الاقتصادية بين مصر وقطر تتجه نحو مستويات أكثر عمقًا، مدفوعة برغبة متبادلة في استثمار الموقع الجغرافي والفرص المتاحة لدى الطرفين. ويتوقع المحللون والسياسيون، أن تشهد المرحلة المقبلة تسارعًا في تنفيذ المشاريع المعلنة، خاصة في ظل الدعم الرسمي الذي تحظى به هذه المبادرات من أعلى المستويات في كلا البلدين.