هل يجوز في كفارة اليمين إخراج القيمة نقدًا بدلًا عن الإطعام أو الكسوة ؟

من التساؤلات الفقهية المتكررة التي تشغل أذهان الكثيرين حول كيفية أداء العبادات والكفارات، يبرز سؤال مهم: هل تكفي القيمة النقدية في كفارة اليمين بدلًا عن الإطعام أو الكسوة التي نص عليها القرآن الكريم؟ وفي هذا السياق أوضحت دار الإفتاء أنه يجوز لمن وقع في الحنث بيمينه أن يُخرج الكفارة نقدًا للفقراء عوضًا عن الطعام أو الكسوة، وهذا هو الأوفق بمقصد الشريعة في سد حاجة المحتاجين وتحقيق غاية الكفارة
سبب مشروعية كفارة اليمين
شرع الله تعالى كفارة اليمين صيانةً لحرمة الحلف باسم الله من أن يبتذل، وردعًا للنفوس عن التهاون في الأيمان، وتعويضًا عمَّا فات بعد وقوع الحنث، فجعلها وسيلةً مشروعة للخروج من تبعة اليمين. قال الله تعالى: ﴿قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ﴾ [التحريم: 2].
وجاء في معالم التنزيل للإمام البغوي (5/117): أي بيَّن وأوجب أن تُكفِّروا إذا حنثتم، بما ورد في سورة المائدة.
بيان كفارة اليمين
كفارة اليمين ثلاث خصال على سبيل التخيير: إطعام عشرة مساكين من طعام معتاد يقدمه المرء لأهل بيته، أو كسوتهم بما يُعَدّ كسوة مجزئة عُرفًا، أو تحرير رقبة مؤمنة. فإن عجز المكلَّف عن هذه الثلاث، انتقل إلى صيام ثلاثة أيام متتابعة على سبيل الترتيب. قال الله تعالى:
﴿فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ﴾ [المائدة: 89].
وقد أجمع العلماء على أن الحانث في يمينه مُخيَّر بين هذه الخصال الثلاث، كما ذكر ابن المنذر في الإشراف (7/128).
حكم إخراج القيمة في كفارة اليمين
تمسّك جمهور المالكية والشافعية والحنابلة بظاهر النص القرآني، فلم يُجيزوا العدول إلى القيمة؛ لأن الكفارة عندهم عبادة مالية مضبوطة بمقادير وهيئات مخصوصة، فلا يشرع استبدالها برأي أو اجتهاد. قال ابن عبد البر في الكافي (1/453): ولا تجوز فيها القيمة. وقال الماوردي في الحاوي الكبير (15/301): لا يجوز إخراج قيمة الطعام. وقال البهوتي في كشاف القناع (5/388): ولا يجزئ إخراج القيمة، لأن الواجب الإطعام نفسه.
أما الحنفية ومعهم الإمام الأوزاعي، فقد أجازوا دفع القيمة بدل الطعام أو الكسوة، ورأوا أنه يجزئ متى كان بقدر ما يُعادل النص الشرعي، إذ إن الغاية هي إغناء الفقير، وذلك قد يتحقق بالقيمة أحيانًا أكثر من تحققِه بالطعام أو الكسوة. قال السرخسي في المبسوط (2/156): إخراج القيمة في الزكاة والصدقات والكفارات جائز عندنا. وذكر ابن قدامة في المغني (9/542) أن الأوزاعي والحنفية أجازوه، بحجة أن مقصود الكفارة هو سد حاجة المسكين، وهو حاصل بالقيمة.
المختار للفتوى وسبب الترجيح
القول بجواز إخراج القيمة ـ وهو مذهب الحنفية وقول الأوزاعي ـ هو الأرجح، لما فيه من تحقيق لمقصد الشريعة من الكفارة، وذلك من جهتين:
1. إن الغرض من الكفارة إغناء الفقير وسد حاجته، وهذا يتحقق بالقيمة كما يتحقق بالطعام أو الكسوة، بل قد تكون القيمة أنفع للفقراء وأسرع في تلبية متطلباتهم.
2. إن العرف واللغة لا يمنعان من إطلاق الإطعام أو الكسوة على من دفع مالًا يشتري به الفقير طعامًا أو لباسًا، فيدخل بذلك تحت مدلول النص القرآني.
كما أن الفقير لو استلم الطعام فباعه أو أخذ الكسوة فتصرف فيها، أجزأ ذلك باتفاق، مما يدل على أن المقصود ليس ذات الطعام أو اللباس، وإنما وصول مقدار معتبر من النفع إلى يد الفقير، كما بيّن الجصّاص في أحكام القرآ