عاجل

هل يجوز تقبيل الميت بعد غسله للتعظيم والتبرك؟.. الإفتاء توضح الحكم الشرعي

تقبيل الميت بعد تكفينه
تقبيل الميت بعد تكفينه

ما حكم تقبيل المتوفى؟، سؤال أجابته لجنة الفتوى بمجمع البحوث الإسلامية من خلال صفحتها الرسمية بموقع التواصل الاجتماعي “فيس بوك”.

حكم تقبيل المتوفى

وقالت لجنة الفتوى: تقبيل المتوفى ثابت شرعًا بأحاديث صحيحة منها حديث عائشة وابن عباس – رضي الله عنهما – ( أن أبا بكر - رضي الله عنه - قبَّل النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بعد موته) رواه البخاري. وعن عائشة- رضي الله عنها- قالت: (قبَّل رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عثمانَ بن مظعون وهو ميت فكأني أنظر إلى دموعه تسيل على خديه) رواه الترمذي وقال حسن صحيح .

تقبيل الميت بعد تكفينه

ورد في السنَّة النبوية المُشرَّفة وأفعال السلف الصالح رضوان الله عليهم ما يُفيد مشروعية كشف وجه الميت وتقبيله وتوديعه، ممن يجوز لهم تقبيله حال حياته، سواء أكانوا من أقارب الميت أو من غيرهم، وسواء كان التقبيل قبل التكفين أم بعده؛ لعموم النصوص الواردة فيها، والأصل أن يؤخذ العموم على عمومه حتى يأتي ما يخصصه؛ فعن عائشة رضي الله عنها قالت: "رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ قَبَّلَ عُثْمَانَ بْنَ مَظْعُونٍ وَهُوَ مَيِّتٌ" أخرجه عبد الرزاق في "المُصنَّف"، وأبو داود الطيالسي وإسحاق بن راهويه والإمام أحمد في "مسانيدهم"، وأبو داود والترمذي وابن ماجه في "سننهم"، وقال الترمذي: حسن صحيح، والحاكم في "المستدرك" وصحح إسناده، وأبو نُعيم في "الحلية"، والبيهقي في "السنن الكبرى".

وعن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: أُصِيبَ أَبِي يَوْمَ أُحُدٍ، فَجَعَلْتُ أَكْشِفُ الثَّوْبَ عَنْ وَجْهِهِ وَأَبْكِي، وَجَعَلُوا يَنْهَوْنَنِي، وَرَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ لَا يَنْهَانِي، قَالَ: وَجَعَلَتْ فَاطِمَةُ بِنْتُ عَمْرٍو تَبْكِيهِ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ: «تَبْكِيهِ أَوْ لَا تَبْكِيهِ، مَا زَالَتِ الْمَلَائِكَةُ تُظِلُّهُ بِأَجْنِحَتِهَا حَتَّى رَفَعْتُمُوهُ» متفقٌ عليه.

وعن عائشة رضي الله عنها قالت: أَقْبَلَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَلَى فَرَسِهِ مِنْ مَسْكَنِهِ بِالسُّنْحِ حَتَّى نَزَلَ، فَدَخَلَ المَسْجِدَ، فَلَمْ يُكَلِّمِ النَّاسَ حَتَّى دَخَلَ عَلَى عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا، فَتَيَمَّمَ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ وَهُوَ مُسَجًّى بِبُرْدِ حِبَرَةٍ، فَكَشَفَ عَنْ وَجْهِهِ، ثُمَّ أَكَبَّ عَلَيْهِ، فَقَبَّلَهُ، ثُمَّ بَكَى، فَقَالَ: "بِأَبِي أَنْتَ يَا نَبِيَّ اللهِ، لَا يَجْمَعُ اللهُ عَلَيْكَ مَوْتَتَيْنِ، أَمَّا المَوْتَةُ الَّتِي كُتِبَتْ عَلَيْكَ فَقَدْ مُتَّهَا" أخرجه الإمام البخاري في "الصحيح"، وبوّب عليه بقوله: (باب الدخول على الميت بعد الموت إذا أُدرج في أكفانه).

وعن عاصم بن أبي النُجود الكوفي، قال: "لما مات أبو وائلٍ قبَّل أبو بردة جبهتَه" أخرجه ابن أبي شيبة في "المصنف".

قال العلَّامة ابن بطَّال المالكي في "شرح صحيح البخاري" عن حديث أبي بكرٍ رضي الله عنه: [قال الُمهَلِّبُ: فيه جواز كشف الثوب عن الميت إذا لم يَبْدُ منه أذًى، وفيه جواز تقبيل الميت عند وداعه]. وقال الإمام بدر الدين العيني في "شرح سنن أبي داود": [وفيه من الفقه: جواز تقبيل الميت]. وقال العلَّامة ابن المُلقِّن في "التوضيح": [وفيه: جواز كشف الثوب عن الميت إذا لم يبدُ منه أذًى، وجواز تقبيل الميت عند وداعه، والتأسِّي؛ فإنَّ الصديق رضي الله عنه تأسَّى برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حيث قبَّل عثمان بن مظعون رضي الله عنه، كما صححه الترمذي].

وقال العلَّامة الشوكاني في "نيل الأوطار": [فيه: جواز تقبيل الميت تعظيمًا وتبركًا؛ لأنه لم يُنقل أنه أنكر أحدٌ من الصحابة على أبي بكرٍ رضي الله عنه؛ فكانَ إجماعًا].

حكم تقبيل الميت بعد تكفينه ونصوص الفقهاء في ذلك

الفقهاء متفقون على جواز الدخول على الميت وتقبيله وتوديعه ممن يحق لهم ذلك حال حياته؛ لِمَا فيه من التبرك -إن كان صالحًا- والمحبة والشفقة والرحمة ولين القلب، ما لم يكن لشهوة، وجمهورهم على أن ذلك يستوي فيه الجواز إذا كان قبل الغسل أو بعده، وسواء كان قبل التكفين أم بعده؛ قال الإمام بدر الدين العيني الحنفي في "البناية شرح الهداية": [فإن قيل: إنَّ النبي صلى الله عليه وآله وسلَّم قبَّل عثمان بن مظعون رضي الله عنه بعد ما أدرج في الكفن، وقبَّل أبو بكر رضي الله عنه بين عيني رسول الله صلى الله عليه وآله وسلَّم بعد ما أدرج في الكفن. قلنا: هذا ضرب الشفقة أو التعظيم، والموت لا ينافيه].

وقال الإمام الزيلعي الحنفي في "تبيين الحقائق": [وتقبيله صلى الله عليه وآله وسلم عثمانَ بن مظعون رضي الله عنه بعدما أدرج في الكفن محمولٌ على ضربٍ من الشفقة والتعظيم].

وقال العلَّامة الشرنبلالي الحنفي في "مراقي الفلاح": [ولا بأس بتقبيل الميت للمحبة والتبرك توديعًا خالصة عن محظور].

وقال الإمام ابن أبي زيد القيرواني المالكي في "النوادر والزيادات" [قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: ولا بَأْسَ بتقبيل الميت قبل غسله وبعد غسله؛ قد قَبَّل النبيُ صلى الله عليه وآله وسلم عثمان بن مظعون رضي الله عنه ميتًا، وقَبَّل أبو بكرٍ رضي الله عنه النبيَ صلى الله عليه وآله وسلم ميتًا].

وقال الحافظ أبو عمر بن عبد البر في "الاستيعاب" : [فلما غُسِّلَ وكُفِّنَ قبَّلَ رَسُول اللهِ صلى الله عليه وآله وسلَّم بين عينيه، فلما دفن قَالَ: نعم السلف هُوَ لنا عُثْمَان بْن مظعونٍ].
وقال الإمام النووي الشافعي في "المجموع": [وأما تقبيلُ الرجل الميتَ والقادمَ من سفره ونحوه: فسُنَّة]. وقال في موضع آخر: [(فرع): يجوز لأهل الميت وأصدقائه تقبيل وجهه؛ ثبتت فيه الأحاديث].

وقال العلامة شمس الدين الرملي الشافعي في "نهاية المحتاج": [ويجوز لأهل الميت ونحوهم كأصدقائه تقبيل وجهه؛ لخبر أنه صلى الله عليه وآله وسلم قبَّل وجه عثمان بن مظعون رضي الله عنه بعد موته، ولِمَا في البخاري: أن أبا بكر رضي الله عنه قبَّل وجه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بعد موته، وينبغي ندبُه لأهله ونحوهم كما قال السبكي، وجوازُه لغيرهم، ولا يقتصر جوازه عليهم، وفي زوائد "الروضة" في أوائل النكاح: ولا بأس بتقبيل وجه الميت الصالح، فقيَّده بالصالح، وأما غيره فينبغي أن يكره].

وقال العلَّامة الجاوي الشافعي في "نهاية الزين": [ويجوز لأهل الميت تقبيله ما لم يحملهم التقبيل على جزعٍ كما هو الغالب من حال النساء وإلا حرم، ويجوز ذلك أيضًا لغير أهله، لكن لا بد من اتحاد الجنس وانتفاء المرودة عند عدم المحرمية].

وقال العلَّامة المرداوي الحنبلي في "الإنصاف": [ولا بأس بتقبيل الميت والنظر إليه ولو بعد تكفينه، نصَّ عليه]. وقال العلَّامة البهوتي الحنبلي في "شرح منتهى الإرادات": [(ولا بأس بتقبيله) أي: الميت (والنظر إليه) ممن يباح له ذلك في الحياة (ولو بعد تكفينه) نصًّا؛ لحديث عائشة رضي الله عنها].

غير أنَّ بعض الفقهاء جعل الدخول على الميت وتقبيله إنَّما يكون بعد إدراجه في أكفانه أو ما في معناه من تغطيته، لئلَّا يُطَّلَع من الميت على ما يُكرَه الاطلاعُ عليه، إذ قد يتغير وجه الميت أو جسده بالسواد ونحوه عند الموت، لداءٍ أو لغلبة دمٍ؛ فينكر ذلك من يجهل حاله فيظن فيه سوءً، فيصبح ضرر ذلك أكبر من تطبيق سنة تقبيله.

وأجابوا عن تقبيل الصديق رضي الله عنه للحبيب صلى الله عليه وآله وسلم: بأنَّ النبي صلى الله عليه وآله وسلَّم كان مُسجّى وقتما دخل عليه أبو بكر رضي الله عنه ليقبِّله، وأنَّ أبا بكر رضي الله عنه كان عالمًا بأنه صلى الله عليه وآله وسلم مصونًا عن أي أذًى، كما أجابوا عن حديث جابر رضي الله عنه الذي ورد فيه تقبيلُ النبي صلى الله عليه وآله وسلم لوالده سيدنا عبد الله بن حرام رضي الله عنه: بأن الشهيد يكفَّن في ثيابه فهو كالمدرج فيها.

قال الحافظ ابن حجر العسقلاني في "فتح الباري" بعد أنْ ساق هذه الروايات: [ودلالة الأول والثالث مشكلة؛ لأنَّ أبا بكر رضي الله عنه إنما دخل قبل الغسل فضلًا عن التكفين، وعمر رضي الله عنه ينكر حينئذ أن يكون مات، ولأنَّ جابرًا رضي الله عنه كشف الثوب عن وجه أبيه قبل تكفينه. وقد يقال في الجواب عن الأول: إنَّ الذي وقع دخول أبي بكر رضي الله عنه على النبي صلى الله عليه وآله وسلم وهو مُسَجًّى أي: مُغَطًّى، فيؤخذ منه أنَّ الدخول على الميت يمتنع، إلا إن كان مُدرجًا في أكفانه أو في حكم المدرج؛ لئلَّا يُطَّلَع منه على ما يُكرَه الاطلاعُ عليه. وقال الزين بن المنير ما محصّله: كان أبو بكر رضي الله عنه عالمًا بأنه صلى الله عليه وآله وسلم لا يزال مصونًا عن كل أذًى، فساغ له الدخول من غير تنقيب عن الحال، وليس ذلك لغيره. وأما الجواب عن حديث جابر رضي الله عنه: فأجاب ابن المنير أيضًا بأنَّ ثياب الشهيد التي قتل فيها هي أكفانه، فهو كالمدرج. ويمكن أن يقال: نهيهم له عن كشف وجهه يدل على المنع من الاقتراب من الميت، ولكن يُتعَقَبُ بأنه صلى الله عليه وآله وسلم لم يَنْهَهُ. ويجاب: بأنَّ عدم نهيهم عن نهيه يدل على تقرير نهيهم. فتبين أنَّ الدخول الثابت في الأحاديث الثلاثة كان في حالة الإدراج أو في حالة تقوم مقامها.

قال ابن رُشَيْد: المعنى الذي في الحديثين من كشف الميت بعد تسجيته مُساوٍ لحاله بعد تكفينه، والله أعلم. وفي هذه الأحاديث جواز تقبيل الميت تعظيمًا وتبركًا] اهـ.

تم نسخ الرابط