مساجد تاريخية| جامع"الحاكم "شاهد على عبق الزمن وروائع العمارة الإسلامية

في قلب القاهرة القديمة، حيث تتنفس الجدران عبق التاريخ، يقف جامع الحاكم بأمر الله شامخًا كأحد أعرق الشواهد المعمارية للفترة الفاطمية.
شُيّد هذا المسجد في أواخر القرن الرابع الهجري، وبدأ العمل في بنائه عام 379هـ (989م) بأمر من العزيز بالله الفاطمي، لكنه لم يرَ اكتماله، فكان لابنه، الحاكم بأمر الله، شرف إتمامه عام 403هـ (1012-1013م)، ليحمل المسجد اسمه منذ ذلك الحين.
تحفة فنية ومعمارية فريدة
لا يعد جامع الحاكم مجرد مكان للصلاة، بل تحفة فنية ومعمارية فريدة تعكس تطور فنون العمارة الإسلامية في العصر الفاطمي.
يمتد الجامع على مساحة واسعة بطول 120.5 مترًا وعرض 113 مترًا، ويتميز بواجهته البحرية (الشمالية الغربية) التي تتوسطها أول بوابة بارزة في عمارة الجوامع بالقاهرة، تغطيها قبو أسطواني لا يزال محتفظًا بجزء من زخارفه الأصلية.
وتتزين هذه الواجهة بمئذنتين مهيبتين ترتكزان على قاعدتين هرمية الشكل تتكون كل منهما من مكعبين متراكبين، يعلو العلوي منهما مئذنة مثمنة الشكل، في تصميم معماري نادر يلفت الأنظار.
مكانة روحية واجتماعية متجددة
يحظى جامع الحاكم بأمر الله بمكانة خاصة في قلوب أهالي القاهرة، ليس فقط لقيمته التاريخية والمعمارية، بل لدوره الحيوي كمركز روحي واجتماعي متجدد عبر العصور.
ويزداد الإقبال عليه بشكل ملحوظ خلال شهر رمضان المبارك، حيث يتحول إلى منارة للعبادة، تعج بالمصلين ومرتادي حلقات الذكر وصلاة التراويح، في مشهد يُعيد للجامع روحه الأصلية كمكان يجمع بين العبادة والتواصل المجتمعي.
ورغم مرور أكثر من ألف عام على تأسيسه، لا يزال المسجد ينبض بالحياة بفضل الجهود الذاتية التي يبذلها الأهالي والزوار في العناية به وتنظيم فعالياته، مما يعكس عمق ارتباط الناس به كأحد الرموز الحية للتراث الإسلامي في مصر.
مشروع الترميم والافتتاح الرسمي
في عام 2023، شهد جامع الحاكم بأمر الله مرحلة جديدة من حياته، بعد الانتهاء من مشروع ترميم شامل أعاد له بريقه التاريخي.
وقد افتتح المسجد رسميًا كل من أحمد عيسى، وزير السياحة والآثار، والدكتور محمد مختار جمعة، وزير الأوقاف، برفقة اللواء خالد عبدالعال، محافظ القاهرة، والدكتور مصطفى وزيري، الأمين العام للمجلس الأعلى للآثار، وذلك بعد الانتهاء من مشروع الإحياء الذي تم بالتعاون مع طائفة البهرة، وتحت إشراف قطاعي المشروعات والآثار الإسلامية والقبطية واليهودية بالمجلس الأعلى للآثار، إلى جانب الإدارة العامة للقاهرة التاريخية.
معلم ديني وثقافي وسياحي
شمل المشروع أعمال ترميم دقيقة حافظت على الطابع الفاطمي للمسجد، مع تطوير بنيته التحتية وتجديد عناصره الزخرفية والمعمارية دون المساس بروحه التاريخية، ليعود الجامع إلى سابق عهده كمَعلم ديني وثقافي وسياحي بارز في قلب القاهرة الفاطمية.
ويُعد هذا المشروع نموذجًا ناجحًا للتعاون بين الدولة والمجتمع في صون التراث الإسلامي، ويعكس إدراكًا متناميًا لأهمية الحفاظ على المعالم الأثرية كجزء من ذاكرة الأمة وموروثها الثقافي والحضاري.