حكم حلق اللحية وإعفائها وأدلة ذلك.. دار الإفتاء توضح

أكدت دار الإفتاء المصرية أن إطلاق اللحية من الأمور التي اختلف فيها الفقهاء قديمًا وحديثًا، وأنها ليست من قبيل العبادات المحضة التي يُقصد بها التعبد لذاتها، بل من سنن العادات المرتبطة بالهيئات الشخصية والمظاهر العامة، مشيرة إلى أن القول المعتمد عند الشافعية –وهو المختار للفتوى– أن اللحية سنة يُثاب فاعلها ولا يأثم تاركها، وبالتالي فهي ليست فرضًا ولا يأثم حالقها.
وأوضحت الدار أن الأحاديث النبوية الشريفة قد وردت بترغيب المسلمين في إعفاء اللحية والعناية بها، مثل قوله صلى الله عليه وآله وسلم: «خَالِفُوا الْمُشْرِكِينَ؛ أَحْفُوا الشَّوَارِبَ، وَأَوْفُوا اللِّحَى» رواه البخاري ومسلم. كما ورد حديث آخر في خصال الفطرة ذكر فيه: «قَصُّ الشَّارِبِ، وَإِعْفَاءُ اللِّحْيَةِ...» وغيرها من السنن المتعلقة بالنظافة وحسن الهيئة.
مذاهب الفقهاء في هذه المسألة
وبيّنت الدار أن مذاهب الفقهاء قد تباينت في تفسير هذه النصوص؛ فذهب الحنفية والمالكية ومتأخرو الحنابلة إلى القول بوجوب إطلاق اللحية، وتحريم حلقها، استنادًا إلى قاعدة أن الأصل في الأمر الوجوب، ولأنها جاءت معللة بمخالفة المشركين. بينما رأى الشافعية –ومعهم جمع من المحققين– أن الأمر الوارد في هذه الأحاديث محمول على الندب والإرشاد، وأن اللحية سنة من سنن الفطرة والعادات، وليست واجبة.
وأشارت الدار إلى أن من العلماء المالكية أيضًا من رجح الكراهة فقط في حلقها، ومنهم القاضي عياض، بينما نص ابن قدامة من الحنابلة على استحباب إعفائها. وقد عزز هذا الاتجاهَ القولُ بأن الأمر النبوي إذا تعلق بالعادات والهيئات لا يُحمل على الوجوب، بل على الندب، شأنه شأن الأوامر الخاصة باللباس أو آداب الأكل والشرب.
ونقلت الدار عن عدد من العلماء المتأخرين، مثل الشيخ محمود شلتوت والشيخ محمد أبو زهرة، أنهم أكدوا أن مسألة إطلاق اللحية تدخل في دائرة العادات، وأنها ينبغي أن تُراعَى فيها الأعراف والبيئات الاجتماعية، ولا تُعد من قبيل الأحكام التعبدية الملزمة.
وخَلُصت دار الإفتاء إلى أن إطلاق اللحية من المسائل الخلافية التي لا إنكار فيها، تطبيقًا للقاعدة الفقهية: "لا إنكار في مسائل الخلاف، وإنما الإنكار في المجمع على حرمته". مؤكدة أن المسلم مأجور إذا أعفاها، غير آثم إذا حلقها، وأن الأولى مراعاة مقاصد الشرع في النظافة وحسن المظهر ومخالفة ما يميز أهل الفساد، دون التشدد أو الإنكار في مسألة اختلف حولها العلماء.