قالت : عشت عمرى كله وأنا لاأحمل للدنيا هما لأنى أمى موجودة ؛ كل الحياة مرتبة وأنا ملكة انعم بلذة كل شىء بلا مجهود وتعب . كبرت وكل المناسبات التى تقتضى وجودى كانت أمى تقوم بها نيابة عنى وعن إخوتى ، تزوجت وقامت أمى بحمل كل أعبائى من تربية أولادى ورعايتهم وترتيب أوقاتى واعطائى الوقت الكافى من النوم كى اذهب الى عملى واعود منه وانا بكل اريحية فأجد الطعام معد وابنائى فى أوج سعادتهم . كبرت أكثر والحياة تمضى بنفس الروتين غير اننى لاحظت ان أنى كبرت هى الاخرى واصبحت تخفى عنى تعبها حتى لاترهقنى بشأنها ، لم أكن أتخيل للحظة أن أمى ذلك الهرم الراسخ سيأتى يوما وتكل وتتعب ، لم أصدق مارأته عينى من ضعف أمى وقلة حركتها مع محاولاتها الدائمة اثبات العكس . دارت الحياة دورة أخرى وإصبحت أنا أمها وهى ابنتى ومع حرصى على التفرغ لها وتلبية طلباتها الا اننى كنت دوما إشعر اننى مقصرة فى حقها وانها تفانت من اجلى وانا عاجزة على ان ارد لها بعضا من كثير فعلته من أحلى فقد كانت داعمة لى طيلة عمرى وبخاصة فى زواجى الذى كان لها الفضل الكبير فى تقديم كافة انواع المساعدات من اجل نجاحه واستقراره فهى لم تبخل ماديا ولا معنويا على مدى سنوات الزواج التى تجاوزت العقدين ، كنت كلما أنظر اليها اكتم بكائى وامسح دموع من اعماقها تريد ان تخرج وتظهر ضعفى وحزنى على اننى لست مثلها ولم أفعل مثلما فعلت معى . كانت فى صغرى تقول : البنى ادم تقيل يابنتى ربنا يخفف بينا ، وكنت ارد عليها واقول" اللى بيحب حد عمره مايزهق منه ، تقيل ايه ياماما بس" . كنت اسمع حكايات من الجيران واصدقاء العمل عن ابناء عاقين لاهلهم وأحزن كل الحزن لمجرد سماع ان هناك انسانا لايبر أبويه ويتركهم وهم فى اشد الحوجة اليه ، وكنت اسعد ايما سعادة عندما اعرف ان فلان سخر نفسه لرعاية أبويه ، واخرى عاشت من اجل امها واخريات فضلن ابائهن على الدنيا ومر فيها . والان وقد رحلت أمى بنفس الهدوء الذى كانت تعيش فيه صرت وحيدة رغم الابناء والحياة كلها ، وكلما يحادثنى أهلى عن مناسبة ينبغى ان احضرها اقول لهم عفويا " أمى موجودة هتسد عنى " فهى دوما كانت تقول ذلك لى وتؤكد لى انها طول ماهى موجودة مااشغلش بالى واركز فى شغلى وحياتى . ام تعد موجودة الان واصبحت أنا مطالبة بواجبات كثيرة ومناسبات وعزومات لم اكن اعلم عنها شيئا لانها كانت تفعلها من اجلى ولاجلى . أمى موجودة لم تكن مجرد عبارة بل كانت حياة كاملة الاركان تجعلك سعيدا لان لك داعما قويا يفعل كل شىء من اجلك بصدر رحب وحب جارف وبلا اى مقابل سوى ان تكون سعيدا . أمى موجودة أصبحت الان جملة حزينة تجعلك تنظر فى كل مكان كانت فيه وتستعيد كل موقف كانت تقوم به وتسترجع ذكريات وتتمنى ان تعود لتعتذر لها عن مواقف فعلتها وندمت عليها وتتمنى ان تسامحك عليها وتقبل اعتذارك . أمى موجودة عبارة جميلة فى وقتها حزينة ومؤلمة حينما لاتكون الأم موجودة . اختتمت هذه الكلمات وهى فى حالة نفسية سيئة وحزن دائم جعلها لاتنقطع عن الذهاب الى الاطباء النفسيين وجعلنا نحن صديقاتها منذ ايام الدراسة ان نقسم اوقاتنا من اجلها والمكوث معها لساعات لاتفعل فيهم شيء سوى ان تحكى لنا عن أمها وتختتم حكايتها دوما بالتمنى بأن تعود امها الى الحياة وتسبقها هى فى الذهاب الى الدار الاخرة …