عاجل

مخطوطات عربية وفارسية.. صوفية مصر لعبوا كرة القدم قبل إنجلترا |خاص

لعب كرة القدم عند
لعب كرة القدم عند الصوفية

غالبا ما تُنسب نشأة كرة القدم الحديثة إلى بريطانيا في القرن التاسع عشر، وتحديدًا عبر مدارسها الصناعية والطبقة العاملة التي نظّمت اللعبة وقنّنت قواعدها. 

لكن تشير بعض المخطوطات العربية والفارسية إلى ألعاب جماعية تعتمد على ركل الكرة كانت تُمارس في الحواضر الإسلامية منذ قرون، بل يُروى أن بعض الطرق الصوفية استخدمتها كأداة تربوية رمزية.

يقول الباحث الصوفي مصطفى زايد لنيوز رروم :قبل أن يرفع الإنجليز رايتهم على الملاعب في لندن ويعلنوا كرة القدم "رياضة قومية" في القرن التاسع عشر، كانت الساحات المصرية تعج بمشاهد أخرى لا تقل إثارة, فحلقات الذكر الصوفية كانت تتخللها لحظات من المرح الجماعي، حيث يركض الشباب والصبيان خلف كرة بدائية مصنوعة من الجلد أو القماش المحشو، يركلونها بالأقدام وسط تكبيرات وضحكات المريدين. هذه ليست صورة خيالية ولا أسطورة شعبية، بل حقيقة موثقة في كتب التراث والمخطوطات، تكشف أن "لعب الكرة" كان جزءًا من الحياة الاجتماعية للصوفية قبل أن يعرف الإنجليز قوانين اللعبة بقرون.

لعب الكرة بين أيدي المشايخ

أما المؤرخ عبد الوهاب الشعراني، في موسوعته الكبرى الطبقات الكبرى، يذكر بالنص أن بعض مريدي المشايخ كانوا "يلهون بالكرة في الساحات بين يدي الشيخ"، مشيرًا إلى أن ذلك كان نوعًا من الترويح المباح الذي لا يخرج عن الأدب (الشعراني، الطبقات الكبرى، ج ٢، ص ١٧٨، تحقيق: عبد الفتاح محمد الحلو، القاهرة: المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية). هذا النص يفتح بابًا لفهم جديد بأن التصوف لم يكن فقط عبادات وأوراد، بل فسحة إنسانية تجمع بين الروح والجسد.

لعب الصوفية لكرة في الموالد في العصر المملوكي 

أما ابن إياس، صاحب بدائع الزهور في وقائع الدهور، فقد قدّم وصفًا آخر أكثر وضوحًا للحياة الشعبية في مصر المملوكية، حيث ذكر أن أهل القاهرة "كانوا يدحرجون الكرات الجلدية في الموالد والمواسم ويلعبون بها صغارًا وكبارًا" (ابن إياس، بدائع الزهور، ج ٣، ص ٢٤١، القاهرة: دار الكتب المصرية). الوصف هنا يقترب كثيرًا من شكل مباريات الكرة الشعبية التي نراها اليوم في الأحياء، حيث الكرة محور اللهو الجماعي.

حلقات الصوفية احتضنت لعب الكرة

وأوضح المقريزي في كتابه المواعظ والاعتبار بذكر الخطط والآثار، المعروف بالخطط، أن بعض حلقات الصوفية احتضنت هذا اللعب ورأته "ترويحًا عن النفس" شرط أن يبقى في حدود الشرع والآداب (المقريزي، الخطط، ج ٢، ص ٣٦٥، القاهرة: دار الكتب المصرية). أي أن اللعب لم يكن عبثًا، بل نشاطًا اجتماعيًا مقبولًا ومضبوطًا بضوابط أخلاقية.

أولاد الطريقة الأحمدية كانوا يلعبون بالكرة في يوم الموسم

وتدعم ذلك مخطوطة نادرة محفوظة في خزانة الأزهر الشريف، ضمن قسم التصوف، برقم (٤٢١). وفيها ورد نص صريح يشير إلى أن "أولاد الطريقة الأحمدية كانوا يلعبون بالكرة في يوم الموسم"، وهو دليل إضافي على أن الظاهرة لم تكن فردية أو عابرة، بل جزءًا من التقاليد الاحتفالية الصوفية (مخطوطة الأزهر، قسم التصوف، رقم ٤٢١، ورقة ٨٣).

وفي التاريخ الأوروبي، نجد أن الإنجليز لم يضعوا قواعد كرة القدم الحديثة إلا في العام ١٨٦٣، حين تأسس "الاتحاد الإنجليزي لكرة القدم" في لندن، وتم لأول مرة صياغة قوانين اللعبة بشكل رسمي (The Football Association, 1863, London). قبل هذا التاريخ، كانت ألعاب الكرة الشعبية موجودة في إنجلترا بشكل عشوائي منذ القرون الوسطى، لكنها لم تعرف تنظيمًا ولا قوانين معتمدة.

جزء من الحياة الشعبية في القرنين الخامس عشر والسادس عشر

النصوص الصوفية في مصر تشير بوضوح إلى ممارسة "لعب الكرة" كجزء من الحياة الشعبية في القرنين الخامس عشر والسادس عشر، أي قبل أن يسجل الإنجليز لعبتهم كرياضة رسمية بثلاثة قرون على الأقل. صحيح أن "لعب الكرة" عند الصوفية لم يكن يملك القواعد الحديثة أو المرمى أو التحكيم، لكنه كان نشاطًا جماعيًا يعتمد على ركل كرة بالأقدام ومطاردتها، وهو جوهر الفكرة نفسها.

المخطوطات المصرية تثبت أن الصوفية سبقوا الإنجليز إلى "لعب الكرة"، وإن كان ذلك بشكل بدائي وبروح احتفالية.

تم نسخ الرابط