ما حكم البيع والشراء وقت صلاة الجمعة؟ الإفتاء توضح

أوضحت دار الإفتاء نهي الشرع عن البيع والشراء وسائر العقود في وقت الجمعة ليس نهيًا في ذاته، بل هو نهي عن كل ما من شأنه أن يَشغَل عن السعي إلى الجمعة، ولذلك نص الفقهاء على جواز البيع لمن لم تجب عليهم الجمعة أو سقطت عنهم لعذرٍ من الأعذار
بيان المقصود من النهي عن البيع والشراء وقت صلاة الجمعة
النهي عن البيع والشراء وما في معناهما ليس نهيًا في ذاته، بل هو نهي لغيره؛ وهو النهي عن كل ما من شأنه أن يُعَطِّل السعي؛ إذ إنه "لما أوجب السَّعْي في الآية الكريمة ثمَّ نهى عَن البيع الْمَانع من السَّعْي عُلِمَ أَنه إِنَّما نهى عَنهُ لِأَنَّهُ مَانعٌ من الْوَاجِب"؛ كما قال الإمام أبو الحسين البصري في "المعتمد" (2/ 254، ط. دار الكتب العلمية).
وقد نص جماهير العلماء أرباب المذاهب الفقهية على أن البيع مشروعٌ في ذاته، وإنما نُهِيَ عنه لاتصاله بأمرٍ آخرَ غير مشروع؛ وهو ترك السعي والتشاغل عن الجمعة؛ قال الإمام الكاساني الحنفي في "بدائع الصنائع" (5/ 232، ط. دار الكتب العلمية): [أمر بترك البيع عند النداء، نهيًا عن البيع لكن لغيره وهو ترك السعي، فكان البيع في ذاته مشروعًا جائزًا، لكنه يكره؛ لأنه اتصل به غير مشروع وهو ترك السعي] اهـ.
وقال الإمام القرافي المالكي في "شرح تنقيح الفصول" (ص: 391، ط. الفنية المتحدة): [﴿وَذَرُوا الْبَيْعَ﴾: نهيٌ عن البيع؛ لأنه يمنع من فعل الجمعة بالتشاغل بالبيع، فيكون هذا إيماءً لأن العلة في تحريم البيع هي التشاغل عن الجمعة] اهـ.
وقال الإمام الزركشي الشافعي في "تشنيف المسامع" (3/ 274، ط. مكتبة قرطبة): [أوجب السعي ونهى عن البيع -مع علمنا بأنه لو لم يكن المنهيُّ عنه لمنعه من السعي الواجب، لما جاء ذكره في هذا الموضع؛ لكونه يخل بالفصاحة- دلَّ على إشعاره بالعلة، وقال القرافي: "إنه يستفاد من السياق؛ فإن الآية لم تنزل لبيان أحكام البياعات بل لتعظيم شأن الجمعة"] اهــ.
وقال العلامة ابن عقيل شيخ الحنابلة في "الواضح في أصول الفقه" (3/ 156، ط. مؤسسة الرسالة): [ولا فرقَ بين تركِ ما أمره به، وبينَ فعل ضده، إذ لا يُتصور تركُ القيام إلا بفعلِ ضدٍّ من أضدادهِ، مثل قعودَ أو اضطجاعٍ، وقد أوضحَ الله تعالى ذلك بقوله: ﴿إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللهِ﴾ [الجمعة: 9] هذا أمر بالسعي، ثم قال: ﴿وَذَرُوا الْبَيْعَ﴾؛ فيفصح بالنهي عما الاشتغال به، يقطعُ عن السعي، ولو سكتَ عنه لكان في قوةِ اللفظِ ما يُعلمُ به أنه نهيٌ عن كل قاطعٍ عن السعي، وإنما اقتصرَ على النهي عن السعي: لأنه أهمُّ أشغالِ الناس؛ وهو الذي ذَكَرَ الله تعالى عن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنهم انفضوا إليه وتركوه قائمًا، فقال: ﴿وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا انْفَضُّوا إِلَيْهَا﴾ [الجمعة: 11].. فصرفَ النهي إلى البيع لهذه العلةِ، والمعقولُ من ذلكَ: النهيُ عن كل مشغلٍ عن السعي إلى الجمعةِ] اهـ.
فالمقصود: هو تأكيد الأمر بالسعي إلى الجمعة، والآية إنما سيقت لبيان أحكام الجمعة لا لبيان أحكام البيع، فلو لم يعتقد كون النهي عن البيع علة للمنع عن السعي الواجب إلى الجمعة لما كان مرتبطا بأحكام الجمعة، وما سيق له الكلام ولا تعلق به؛ قال الإمام ابن قدامة الحنبلي في "روضة الناظر" (2/ 202، ط. مؤسسة الريان): [يعلم منه التعليل للنهي عن البيع بكونه مانعًا من السعي إلى الجمعة؛ إذ لو قدرنا النهي عن البيع مطلقًا من غير رابطة الجمعة يكون خبطًا في الكلام] اهـ.
نصوص الفقهاء في حكم البيع والشراء لمن لا تجب عليهم الجمعة أو سقطت عنهم
نص الفقهاء على جواز البيع لمن لم تجب عليهم الجمعة، أو سقطت عنهم لعذرٍ من الأعذار؛ قال الإمام العيني الحنفي في "عمدة القاري" (6/ 204، ط. دار إحياء التراث العربي): [وقال ابن التين: كل من لزمه التوجه إلى الجمعة يحرم عليه ما يمنعه منه من بيع أو نكاح أو عمل.. وحرمة البيع ووجوب السعي مختصان بالمخاطبين بالجمعة، أما غيرهم كالنساء فلا يثبت في حقه ذلك] اهـ.
ونص المالكية على صحة العقد مع الكراهة؛ ففي "المدونة" (1/ 234، ط. دار الكتب العلمية): [وكره مالك للمرأة أو العبد والصبي من لا تجب عليه الجمعة البيع والشراء في تلك الساعة من أهل الإسلام. قلت لابن القاسم: فهل يفسخ ما اشترى أو باع هؤلاء الذين لا تجب عليهم الجمعة في قول مالك؟ قال: قال مالك: لا يفسخ شراء من لا تجب عليه الجمعة ولا بيعه، وهو رأيي] اهـ.
وقال الإمام الشافعي في "الأم" (1/ 224، ط. دار المعرفة): [وإذا تبايع من لا جمعة عليه في الوقت المنهي فيه عن البيع: لم أكره البيع؛ لأنه لا جمعة عليهما، وإنما المنهيُّ عن البيعِ المأمورُ بإتيان الجمعة] اهـ.
وقال الإمام ابن قدامة الحنبلي في "المغني" (2/ 220، ط. مكتبة القاهرة): [فصل: وتحريم البيع، ووجوب السعي، يختص بالمخاطبين بالجمعة، فأما غيرهم من النساء والصبيان والمسافرين، فلا يثبت في حقه ذلك. وذكر ابن أبي موسى في غير المخاطبين روايتين، والصحيح ما ذكرنا؛ فإن الله تعالى إنما نهى عن البيع مَن أَمَرَه بالسعي، فغير المخاطب بالسعي لا يتناوله النهي، ولأن تحريم البيع معلل بما يحصل به من الاشتغال عن الجمعة، وهذا معدومٌ في حقهم] اهـ.