إلى أين تتجه أزمة العلاقات الدبلوماسية بين الجزائر وفرنسا؟

يرى خبراء أن فرنسا، الغارقة في أزمة دبلوماسية متصاعدة مع الجزائر، اختارت هذه المرة تبني سياسة أقسى بهدف استعادة زمام المبادرة، لكنهم يؤكدون أن هذا الانعطاف يعكس ازدواجية واضحة في السياسة الفرنسية: بين منطق العقوبات والتشدد ومنطق الحوار والبراغماتية.
ويشير محللون إلى أن قرار الرئيس إيمانويل ماكرون يبدو موجها بالأساس إلى الداخل الفرنسي، بهدف إرضاء الرأي العام والتيارات اليمينية، لكنّه بعيد عن أن يكون توجهًا مدروسًا طويل الأمد لما يخص العلاقة مع الجزائر، الشريك الاستراتيجي في قطاعات الطاقة والهجرة.
تفاصيل الأزمة الجزائرية الفرنسية
بحسب ما نشرته لو فيجارو، فقد قررت باريس اتباع نهج مشدّد مع الجزائر، فيما يُنظر إلى تلك الإجراءات العقابية على أنها محاولة للوقوف في صف القوى المتشددة داخل الحكومة الفرنسية، بقيادة وزير الداخلية برونو ريتايو، مقابل منطق الحوار الذي يمثّله وزير الخارجية جان-نويل بارو.
الجدير بالذكر أن أن العلاقات بين باريس والجزائر دخلت في نفق التوتر منذ صيف 2024، مع تبادل اتهامات وسلسلة ملفات عالقة. وفي السادس من أغسطس من ذلك العام، وجّه ماكرون دعوة لرئيس الوزراء إلى الالتزام بمزيد من “الحزم والعزم” تجاه الجزائر.
ولأول مرة خلال ولايته، تناول ماكرون الملف الجزائري من زاوية القوة، فقد أوصى بـالآتي:
- تعليق اتفاق عام 2013 الذي يُعفي حاملي الجوازات الدبلوماسية والرسمية من التأشيرات.
- استبدال نحو 60 موظفًا قنصليًا فرنسيًا.
- اشتراط اعتماد قناصل جزائريين جدد في فرنسا مقابل عودة التعاون الكامل في ملف الهجرة.
وقال برتران بديع، أستاذ العلاقات الدولية في معهد الدراسات السياسية بباريس:"كلما لجأت فرنسا إلى الضغط والعقوبات تجاه الجزائر، واجهت ردود فعل معاكسة."
وأشار إلى أن العلاقات الاقتصادية والمصالح المشتركة تفرض على باريس درجة من الليونة رغم أجواء التصعيد. وأضاف أن ماكرون يخاطب اليمين والرأي العام المخاوف من الهجرة، لكن التشدد لا يمكن أن يكون سياسة دائمة نظراً لاعتماد فرنسا على الجزائر في الطاقة والحدود الجنوبية للبحر المتوسط
وأوضح بديع أن هذه السياسة تكشف عن ازدواجية غير محسومة: من جهة تصعيد لمعالجة ملفات داخلية، ومن جهة أخرى، لا تستطيع فرنسا التخلي عن الشراكة الاستراتيجية مع الجزائر، مما يفسر استمرار الأزمة في حالة من التوازن الهش
من جهته، رأى فريديريك شاريون، أستاذ العلوم السياسية بجامعة كليرمون أوفيرني، أن فرنسا تتعامل بجدية تجاه الأزمة "لأغراض داخلية أكثر منها استراتيجية خارجية".
وأضاف شاريون:"باريس تستخدم إشارات القوة لإعادة فرض شروط الحوار حين تتعقد الأمور، لكنها تحتفظ بخط العودة مفتوحًا نحو التسويات، لأن العلاقة مع الجزائر تتجاوز الحكومات الحالية في البلدين."
وأشار إلى أن الضغط السياسي والإعلامي المتعلق بالهجرة وأمن الدولة دفع إلى اتخاذ مواقف تستهدف طمأنة قواعد يمين الوسط واليمين المتشدد، خصوصًا مع قرب استحقاقات انتخابية أوروبية وفرنسية
وأكد شاريون أن هذه الصرامة لا يمكن أن تكون استراتيجية دائمة، إذ تزيد التكلفة على قنوات التواصل الأمنية والطاقوية التي تحتاجها فرنسا على المدى المتوسط