لحظة الولادة هي بداية حياة جديدة، ليس للطفل فقط، بل للأم أيضاً. يظن الكثيرون أن هذه المرحلة لا تحمل سوى الفرح، غير أن الحقيقة أعمق من ذلك بكثير. فهناك عدد غير قليل من الأمهات يواجهن حالة يُطلق عليها اكتئاب ما بعد الولادة، وهي ليست ضعفاً في الإيمان ولا جحوداً للنعمة، بل استجابة طبيعية لتغيّرات جسدية ونفسية هائلة.
من الناحية العلمية، يُعزى هذا الاكتئاب إلى تقلّبات هرمونية حادة تحدث بعد الوضع، إلى جانب الإرهاق الجسدي وقلة النوم وضغوط المسؤوليات الجديدة. وقد تظهر الأعراض في صورة حزن عميق، نوبات بكاء غير مفسَّرة، فقدان القدرة على الاستمتاع بالحياة اليومية، أو إحساس مرهق بالذنب والتقصير. وهي أعراض مؤقتة، لكنها تحتاج إلى التفات ورعاية حتى لا تتفاقم.
لكن الجانب الأكثر إيلاماً ليس في المرض ذاته، وإنما في نظرة المجتمع. فكثيراً ما تُواجَه الأم بكلمات قاسية من قبيل: "غيرك محروم احمدي ربنا"، أو "تدلّعك هو السبب". مثل هذه العبارات لا تشفي الجرح، بل تغرس شعوراً بالوحدة والعجز. في المقابل، فإن كلمة دعم صادقة أو يد حانية قد تكون دواءً نفسياً أقوى من أي علاج.
الزوج هنا هو الركيزة الأولى، فوجوده الحنون ومشاركته في رعاية المولود يخفف الكثير من الأعباء. كذلك تلعب الأسرة دوراً بالغ الأهمية في تطويق الأم بمشاعر الطمأنينة بدلاً من اللوم.
أما العلاج، فيبدأ بالاعتراف أن ما تمر به الأم أمر طبيعي وليس عيباً، ثم باستشارة الطبيب عند استمرار الأعراض، وقد يتضمن جلسات نفسية أو دواءً بسيطاً. إلى جانب ذلك، تبقى الراحة الجسدية، وتوزيع الأدوار المنزلية، ومنح الأم فسحة لالتقاط أنفاسها، ركائز أساسية في التعافي.
وفي النهاية، فإن اكتئاب ما بعد الولادة رسالة بليغة تذكّرنا أن الأمومة ليست صورة مثالية ثابتة، بل تجربة إنسانية شديدة الحساسية تحتاج إلى رحمة واحتواء أكثر من حاجتها إلى النصائح الجاهزة أو اللوم المتكرر.