عاجل

وعدنا خلال الفترة الأخيرة بظهور لافت ومنسق بل وملح لثورجية المقاطع القصيرة وتجار اللقطة ومستنهضي الخراب ومتطلعو الفوضى فبين كل فترة وأخرى نجد هذا يخرج علينا تائبا من ضلال عاش فيه سنين وآخر يكسر صمتا كان مسجونا فيه ليبدأو بالتوبة علنا توبة من ماذا لا أحد يدري؟!
وبالطبع لا يخلو الأمر من توجيه النصح والإرشاد لعموم العباد والدعوة للاقتداء فلا تخلو منصة اجتماعية من وجه يطل علينا من منصة الاستعلاء والرغبة في السير عكس الاتجاه بدعوى التميز وأنه ملهم ولد من جديد فتتلبسه حالة تجعل من خطايا العالم طوقا ضيقا حول رقبته على الرغم من أنه مجرد "صايع" لا يملك فهما ورثه عن علم ولا عملا ورثه عن رحلة كفاح ولا وجاهة لحديث هو مجرد فضفضات فارغة إن وضعت في ميزان العقل لا تعدو عن كونها نوعا من الهووس المتأخر العصي على العلاج.
وهذا السلوك عادة ما يكون نابعا من التهشم إزاء أزمة إنسانية غالبا ما يكون عاجزا عن حلها أو مواجهتها فيبدأ في البحث عمن يارك هذا الهم ويقتسم معه حديث ثائر قد يرضى نفسه قليلا وترتفع بخسيسة نفسه نحو مصاف التنويريين أصحاب الرسالة فتبدأ ذاته بالتضخم مع كل زيادة في عدد متابعيه حتى يظن نفسه أنه المبعوث من دار الفهم إلى هؤلاء المغفلين من حوله الذين لا يملكون عيونا كعينه الفاحصة ولا عقلا واعيا كعقله المشع ولا نفسا عازمة كنفسه المتوهجة فيصدع أدمغتنا بتفاصيل يدركها جيدا كل من يسمعه بل قد يكون أكثر إلماما بها منه لكن إحساسه بأنه ينور البشرية يرضى مرضه ويسكن أوجاع تفاهته التي أدركها متاخرا حين اصطدم بأزمة قد تكون رحاها دائرة قبل ولادته.
إنها الشخصية التي تعتقد في نفسها خيرية نادرة تعرف عادة بسلوك المتعالي وترى نفسها دائما صائبة أو أرقى أخلاقيا من الآخرين وتراه دائمت في نقد مستمر للآخرين وتميل لمقارنة سلوكيات الناس بسلوكها وتنتقدهم إذا لم يرتقوا لمستواها ودائما تبرر تصرفاتها لنفسها وتعتبرها خيرا بينما ترى تصرفات الآخرين خطأ أو ناقصة ورغم اعتقادها بالخير إلا أنها قد تفتقر للقدرة على فهم أو مساعدة الآخرين بشكل واقعي لكنها تحاول دوما فرض رؤيتها لما هو صواب أو خير على المحيطين بها.
ومثل تلك الشخصية تحرص على الظهور أكثر من الفعل فتميل للحديث عن الفضائل والقيم أكثر من ممارستها على أرض الواقع فإن كان الحديث عن ثورة تجده غائبا عن صفوف الثوريين وإن كان الحديث عن جهاد فلا يعرف إليه طريقا هو شخصية مريضة بالرغبة في الكلام والثرثرة تعيش في وهم الفضيلة هربا ما ماضيها المخجل وتقيم الآخرين من منظور انتقائي وخطوةة خطوة تجدها منفصلة عن الواقع الاجتماعي والإنساني المحيط بها لكن لا تتوقف مطلقا عن الحديث عنه أو تحليله.
ومن الخطأ أن تمنح هذه الشخصيات المتلفزة مساحة كبيرة قد تمنحه شعورا بأن ما يفعل يؤتي ثماره فبذلك نمهد له المزيد من الطرق المظلمة ليسير فيها على غير هدى فمثل هؤلاء لا ينتصرون إلا لأنفسهم ولا يستمسكون إلا برأيهم فالكل متهم في ساحته مادام لم يتوافق مع فهمه وإدراكه القاصرة ويقظته المتوهمة ومثل تلك الشخصيات تضيق بها الأرض بما رحبت وحين يريد الهرب من ذلك الضيق يبدأ بالعنف ضد معارضيه وهو عنف مقدس في ذهنه يراه خاتمة جيدة لحياته الفارغة وإلى أن يصل لتلك المرحلة فليس له عندنا من دواء إلى التجاهل فلربما ينبت له عقل يدرك أو ينشط له ضمير حر فيبدأ يتقييم نفسه وإصلاحها أما إذا لم يحدث وتحول إلى العنف فقد قرر الانتحار دون قصد.

تم نسخ الرابط