حرب الفتة في شوارع القاهرة.. المولد النبوي 1919 يتحول لمعركة الخل واللحم

في يوليو 1919، كان المولد النبوي على الأبواب، وأزقة القاهرة التاريخية تغلي بأهازيج الذكر، وأضواء الزينة تتراقص فوق رؤوس المارة، وبين شارع المعز والجمالية وخان الخليلي، كان طقس فتة المولد النبوي على وشك أن يتحول من مائدة كرم إلى ساحة نزاع.
حرب الفتة في المولد النبي عام 1919
يقول الباحث الصوفي مصطفى زايد لـ نيوز رووم: بدأت الشرارة حين اختلفت الطريقة الأحمدية بمقرها في الحسين مع الطريقة البرهامية الدسوقية في الجمالية، حول الوصفة الصحيحة للفتة. الأحمدية تمسكت بخلطة الليمون والثوم الموروثة عن الشيخ أحمد بن عطاء الله كما وردت في مخطوطه المحفوظ بمكتبة الأزهر (مخطوط رقم 312/تصوف، ص45)، بينما أصرت البرهامية الدسوقية على أن الخل البلدي التاريخي هو الأساس، مستندة إلى سجلات وقفية تعود لعام 1789 (سجل وقفية رقم 567، ص12).
أضاف "زايد" في المولد النبوي الخامس من يوليو، خرجت القدور إلى الشوارع. في المعز، نصبت الأحمدية مواقد ضخمة، وفي الجمالية، ارتفعت روائح الخل البلدي من قدور البرهامية الدسوقية، بينما في خان الخليلي شوهدت قدور أصغر لكن بحراسة مشددة. لم يمض وقت طويل حتى اندلعت أولى المواجهات، حيث تحولت الأطباق إلى مقذوفات، وتحطم سبعة عشر قدرًا نحاسيًا بلغت قيمتها خمسة وثلاثين جنيهًا ذهبًا، كما جاء في محضر محكمة التجارة (قضية 789/1919، دار الوثائق القومية، ص3).
مصادرة اللحم والخبز
تدخلت الشرطة بعد ثلاثة أيام من بداية الأزمة، واعتقلت اثني عشر شخصًا، وصادرت أربعين كيلو من اللحم ومئة رغيف، وفق تقرير البوليس السياسي (ملف 456/1919، وزارة الداخلية، ص7). لكن حل النزاع لم يأتِ إلا من الأزهر، حيث دعا الشيخ سليم البشري إلى مسابقة طهي رسمية تحت إشراف سبعة علماء، وفق معايير مأخوذة من زاد المعاد لابن القيم (ج3، ص487)، ومن شهادات كبار تجار الجمالية مثل محمد البغدادي (سجل الغرفة التجارية، 1919، ص14).
تابع :انتهت المسابقة بفوز البرهامية الدسوقية بنسبة سبعين بالمئة من الأصوات، والسر كان الخلطة التاريخية الموثقة في مخطوط المنهج السني بمكتبة الأزهر (رقم 456/تصوف، ص22).
أعقب ذلك صدور "لائحة آداب الموالد" عام 1920 من الأزهر (سجلات مشيخة الأزهر، ص9)، التي نصت على تقسيم مناطق توزيع الفتة ومنع استخدام الأواني كأسلحة. كما ارتفع سعر الخل البلدي ثلاثة أضعاف بحسب جريدة المقطم (15 يوليو 1919، ص4)، وتأسس "اتحاد طباخي الصوفية" عام 1921 (سجل النقابات رقم 123، ص2).
وقال *زايد" : ومن الطرائف التي رصدتها المحاضر أن البرهامية الدسوقية كانت تحتفظ بملعقة خشبية "مقدسة" من ضريح سيدي إبراهيم، لكنها سُرقت عام 1923 (محضر قسم الجمالية، ص6)، كما تسللت سيدة تُدعى "ستنا فاطمة" إلى مطبخ الأحمدية متنكرة كخادمة لسرقة وصفة الليمون والثوم (شهادة في محضر محكمة مصر القديمة، قضية 789/1919، ص8).
هكذا، تحولت مائدة الفقراء إلى عنوان كبير على صفحات الصحف، وحملت معها درسًا بليغًا وثقته الوثيقة النهائية في الأزهر (سجل لجنة فض المنازعات، ص5): "لا خلاف في الفتة ما دامت تذكر الناس بحب النبي، وتجنب الإسراف في الزيت واللحم."